حومة العزّ (١) مولده ، وفي دومة الكرم محتده (٢) غير مشوب حسبه ، ولا ممزوج نسبه ، ولا مجهول عند أهل العلم صفته ، بشّرت به الأنبياء في كتبها ، ونطقت به العلماء بنعتها ، وتأمّلته الحكماء بوصفها ، مهذّب لا يدانى ، هاشميّ لا يوازى ، أبطحيّ لا يسامى ، شيمته الحياء وطبيعته السخاء ، مجبول على أوقار (٣) النبوّة وأخلاقها ، مطبوع على أوصاف الرسالة وأحلامها الى أن انتهت به أسباب مقادير الله الى أوقاتها وجرى بأمر الله القضاء فيه الى نهاياتها ، أدّى محتوم قضاء الله الى غاياتها يبشّر به كلّ أمّة من بعدها ، ويدفعه كلّ أب الى أب من ظهر الى ظهر ، لم يخلط في عنصره سفاح ، ولم ينجسه في ولادته نكاح ، من لدن آدم إلى أبيه عبد الله في خير فرقة ، واكرم سبط ، وأمنع رهط ، وأكلأ حمل ، وأودع حجر ، اصطفاه الله وارتضاه واجتباه ، وآتاه من العلم مفاتيحه ، ومن الحكم ينابيعه ، ابتعثه رحمة للعباد ، وربيعا للبلاد ، وأنزل الله إليه الكتاب ، فيه البيان والتبيان ، قرآنا عربيّا غير ذي عوج لعلّهم يتّقون ، قد بيّنه للناس ونهجه بعلم قد فصّله ، ودين قد أوضحه ، وفرائض قد أوجبا ، وحدود حدّها للناس وبيّنها ، وامور قد كشفها لخلقه وأعلنها ، فيها دلالة الى النجاة ومعالم تدعو الى هداة ، فبلّغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما ارسل به ، وصدع بما امر به ، وأدّى ممّا حمّل من أثقال النبوّة ، وصبر لربّه ، وجاهد في سبيله ، ونصح لامّته ، ودعاهم الى النجاة ، وحثّهم على الذّكر ، ودلّهم على سبيل الهدى ، بمناهج ودواع أسّس للعباد أساسها ، ومنازل رفع لهم أعلامها ، كي لا يضلّوا من بعده ، وكان بهم رءوفا
__________________
(١) أي في أرفع موضع من العز.
(٢) الدومة ـ بالضم ـ الشجرة ، والمحتد ـ بفتح الميم وكسر التاء ـ الأصل.
(٣) أثقال.