قلنا : هذا يقتضي أنّ عمر ما كان يحتاط في سفك الدماء ، وهذا أشرّ من الأول.
وروي أيضا أنّ عمر قال يوما على المنبر : ألا لا تغالوا في مهور نسائكم ، فمن غالى في مهر امرأة جعلته في بيت المال. فقامت عجوز وقالت : يا أمير المؤمنين أتمنع منّا ما جعله الله لنا؟! قال تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (١) فقال : كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت » (٢).
وهذه الوقائع وقعت لغير عليّ ولم يتّفق مثلها لعليّ.
الرابع : نقل عن عليّ أنّه قال : « والله لو كسرت لي الوسادة ثمّ جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية نزلت في بحر ولا برّ ولا سهل ولا جبل ولا سماء ولا أرض ولا ليل ولا نهار إلاّ وأنا أعلم في من نزلت وفي أيّ شيء نزلت » (٣).
الخامس : انّا نتفحّص عن أحوال العلوم فأعظمها علم الاصول ، وقد جاء في خطب أمير المؤمنين من أسرار التوحيد والعدل والنبوّة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يأت في كلام سائر الصحابة.
وأيضا فجميع فرق المتكلّمين ينتهي آخر نسبهم في هذا العلم إليه. أمّا المعتزلة فهم ينسبون أنفسهم إليه. وأمّا الأشعرية فكلّهم منتسبون الى الأشعري ، وهو كان تلميذ لأبي علي الجبائي المعتزلي ، وهو منتسب الى أمير المؤمنين. وأمّا الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر. وأمّا الخوارج فهم مع غاية بعدهم عنه كلّهم منتسبون الى أكابرهم ، واولئك الاكابر كانوا تلاميذ علي بن أبي طالب عليهالسلام. فثبت أنّ جمهور المتكلّمين من فرق الإسلام كلّهم تلامذة علي عليهالسلام. وأفضل فرق الامّة الاصوليّون ،
__________________
(١) النساء : ٢٠.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٣ ص ٩٦.
(٣) بصائر الدرجات : ج ٣ ص ١٣٢ باب ٩ ح ٢.