قال : اميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح حقيقته. قلت : ليس غناء عن القلب؟ قال : لا. قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يا بني الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته ردّته الى القلب فيتبيّن اليقين ويبطل الشكّ. قلت : فإنما أقام الله لشكّ الجوارح القلب؟ قال : نعم. قلت : فلا بدّ من القلب إذن وإلاّ لم تستبن الجوارح شيئا؟ قال : نعم. قلت : يا أبا مروان إنّ الله تعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ويبيّن لها ما شكّت فيه ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك (١).
وقال متكلّم : لا يخلو القول في هذا عن أربعة أوجه : إمّا أن علّم النبيّ عليهالسلام جميع امّته الأوّلين والآخرين ما يحتاجون إليه في حياته حتى استغنوا عنه بعد وفاته ، أو علمت الامّة كلّها بعده مثل علمه ، أو استغنت عن مؤدّب يعلّمهم ويعلّم عن الله عزّ وجلّ ، أو رفع التكليف عن الامّة بعده كالبهائم. وكلّ ذلك باطل ، لأنّ التكليف لازم واللطف لازم والناس غير معصومين ، فلا بدّ من حافظ للشرع معصوم : ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (٢).
الأودي الشاعر :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم |
|
ولا سراة إذا جهّالهم سادوا |
البيت لا يبتنى إلاّ على عمد |
|
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد |
إذا تجمّع أوتادا وأعمدة |
|
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا |
تهدى الامور بأهل الرأي ما صلحت |
|
فإن تولّت فبالأشرار تنقاد (٣) |
قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٤) من غير
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٦.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٧.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٧.
(٤) التوبة : ١٢٠.