فتطاول الثعبان إليه حتى التقم اذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقا سمعه كثير منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنين عليهالسلام يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ثمّ انساب وكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أمير المؤمنين عليهالسلام الى خطبته فتمّمها.
فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه فسألوه عن حال الثعبان والاعجوبة فيه ، فقال لهم : ليس ذلك كما ظننتم وإنّما هو حاكم من حكّام الجنّ التبس عليه قضية فصار إليّ يستفهمني عنها فأفهمته إيّاها ودعا لي بخير وانصرف (١).
وربما استبعد كثير من الناس ظهور الجنّ في صور الحيوان ، وذلك معروف عند العرب قبل البعثة وبعدها. وقد أجمع اهل القبلة أنّ إبليس ظهر لأهل الندوة في صورة شيخ نجدي وشاركهم في الرأي على المكر برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢). وما ظهور الجنّ في صور الحيوان بأبعد من هذا.
قيل : لمّا توجّه أمير المؤمنين عليهالسلام الى صفّين لحق أصحابه عطش فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا ، فعدل بهم أمير المؤمنين عليهالسلام الى الجادة وسار قليلا فلاح لهم دير في صدر البرّية ، فسار بهم نحوه حتى إذا صار في فنائه أمر من ينادي ساكنه بالاطلاع إليهم ، فنادوه فأطلع عليهم ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : هل قرب قائمك هذا ماء يتغوّث به هؤلاء القوم؟
فقال : هيهات بيني وبين الماء أكثر من فرسخين وما بالقرب منّي شيء من الماء ، ولو لا أنّني اوتي بما يكفيني في كلّ شهر على التقتير لتلفت عطشا.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : أسمعتم ما قال الراهب؟
قالوا : نعم فتأمرنا بالمسير الى حيث أومى إليه لعلّنا ندرك الماء وبنا قوّة.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا حاجة لكم الى ذلك ، ولوى عنق بغلته نحو القبلة وأشار الى مكان بالقرب من الدير فقال لهم : اكشفوا الأرض في هذا المكان ، فعدل
__________________
(١) الإرشاد : ص ١٨٣ ـ ١٨٤ في تكلّم الحيتان معه عليهالسلام.
(٢) الإرشاد : ص ١٨٤.