بيثرب دار مهاجرته ، فإنّي أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أنّ يثرب دار مهاجرته ، وبيئة نصرته ، ولو لا أنّي أقيه الآفات ، وأحذر عليه العاهات ، لأعليت على حداثة سنّه أمره ، وأوطأت رقاب العرب كعبه ، ولكنّي صارف إليك ذلك عن غير تقصير منّي بمن معك.
ثمّ أمر لكلّ واحد منهم بعشرة أعبد وعشرة إماء سود ، وخمسة أرطال مسكا ، وكرشا مملؤة عنبرا ، وحلّتين من حلل اليمن. وأمر لعبد المطّلب بأضعاف ذلك ، وقال له : إذا حال الحول فأتني بما يكون من أمره.
فما حال الحول حتى مات ابن ذي يزن ، فكان عبد المطّلب يقول : يا معشر قريش لا يغبطني أحد منكم بعطاء الملك فإنّه الى نفاد ، لكن ليغبطني بما بقي لي ولعقبي ذكره وفخره الى يوم القيامة. فإذا قالوا له : وما ذاك؟ قال : سيظهر بعد حين (١).
وقال ابن رزّيك :
محمّد خاتم الرسل الذي سبقت |
|
به بشارة قسّ وابن ذي يزن |
وأنذر النطقاء الصادقون بما |
|
يكون من أمره والطهر لم يكن |
الكامل الوصف في حلم وفي كرم |
|
والطاهر الأصل من ذام ومن درن |
ظلّ الإله ومفتاح النجاة وينبو |
|
ع الحياة وغيث العارض الهتن |
فاجعله ذخرك في الدارين معتصما |
|
به وبالمرتضى الهادي أبي الحسن (٢) |
وعبد المطّلب رأى في منامه أنّ شجرة نبتت على ظهره قد نال رأسها السماء ، وضربت بأغصانها الشرق والغرب ، ونورا يزهر بينها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ، والعرب والعجم ساجدة لها ، وهي كلّ يوم تزداد عظما ونورا ، ورأى رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شابّ من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم.
فقصّ ذلك على كاهنة قريش فقالت : لئن صدقت ليخرجنّ من صلبك ولد
__________________
(١) اعلام النبوّة للماوردي : ص ١٥٧ ـ ١٦٠.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٠.