ابن عمير ، عن اسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : لمّا كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليهالسلام ارتجّ الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض فيه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وجاء رجل باك وهو مسرع مسترجع وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوّة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : رحمك الله أبا حسن كنت أوّل القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدّهم يقينا ، وأحوطهم على رسول الله ، وآمنهم على أصحابه ، وأفضلهم مناقب ، وأكرمهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا وأشرفهم منزلة ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين ضعف أصحابه ، وبرزت حين استكانوا ، ونهضت حين وهنوا ، وألزمت منهاج رسوله إذ همّ أصحابه. كنت خليفة حقّا لم تنازع ولم تضرع (١) برغم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين ، فقمت بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذا وقفوا ، فاتّبعوك فهدوا. وكنت أخفضهم صوتا وفرقا ، وأقلّهم كلاما ، وأصوبهم منطقا ، وأكثرهم رأيا ، وأشجعهم قلبا ، وأشدّهم نفسا ، وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالامور. وكنت والله للدين يعسوبا ، أوّلا حين تفرّق (٢) الناس وآخرا حين فشلوا. كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا ، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمّرت إذ (٣) اختضعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ جزعوا ، وأدركت إذ تخلّفوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت للكافرين عذابا صبّا وللمؤمنين غيثا وخصبا ، فطرت والله نعماها ، وفزت بحناها ، وأحرزت سوابقها ، وذهبت بفضائها ، لم يقلل حجّتك ، ولم يزغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجش نفسك ، ولم تجر. كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف ولا يزيله العواصف ، وكنت كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ضعيفا في بدنك ، قويا في أمر الله ، متواضعا في نفسك ، عظيما عند الله عزّ وجلّ ،
__________________
(١) في الأصل : لم ينازع ولم يضرع.
(٢) في الأصل : يفرّق.
(٣) في الأصل : إذا.