كبيرا في الأرض ، جليلا عند المؤمنين. لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز ، ولا لأحد فيك مطمع ، ولا لأحد عندك هوادة. الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقّه ، والقويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحقّ ، والقريب والبعيد عندك سواء ، شأنك الحقّ والصدق والرفق ، وقولك حكم وحتم ، وأمرك حكم وحزم ، ورأيك علم وعزم ، فافلقت وقد نهج السبيل ، وسهل العسير ، واطفئت النيران ، واعتدل بك الدين ، وقوى بك الإيمان ، وثبتت بك الإسلام والمؤمنون ، وسبقت سبقا بعيدا ، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا ، فحللت عن البكاء ، وعظمت رزيّتك في السماء ، وهدّت مصيبتك الأنام ، فإنا لله وإنّا إليه راجعون.
رضينا عن الله قضاء ، فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا كنت للمؤمنين كهفا وحصنا ، وعلى الكافرين غلظة وغيظا ، فألحقك الله بنبيّه ، ولا يحرمنا أجرك ، ولا أضلّنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه ، وبكى وأبكى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ طلبوه ولم يصادفوه (١).
ثعلبة الحماني قال : سمعت عليّا عليهالسلام يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ، وأشهد أنّه كان ممّا يشير إليّ أن قال : ليخضبنّ هذه من دم هذا ، يعني لحيته من دم رأسه.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : من أشقى الأوّلين؟ قال : عاقر الناقة. قال : فمن أشقى الآخرين؟ قال : الذي يضربك على هذا ، وأشار إلى رأسه (٢).
فكان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : يا أهل العراق لوددت لو قد انبعث أشقاها فخضّب هذا من هذا ، ويشير إلى لحيته ورأسه.
وقالت أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب ترثي عليّا عليهالسلام ، وقيل : إنّها لأبي الأسود :
__________________
(١) الكافي : ج ١ ص ٤٥٤ باب مولد أمير المؤمنين ح ٤.
(٢) تذكرة الخواص : ص ١٧٢.