قال : ثمّ سار محمّد حتى اذا صار الى مدين أقبل على أصحابه فقال : يا هؤلاء أنتم نعم الاخوان والأنصار ولو كان عندي ما يسعكم لأحببت ألاّ تفارقوني أبدا حتى تنجلي هذه الغمرات ، فإن أحببتم فانصرفوا إلى مصركم محمودين فإنّكم تتقدّمون على الناس وبهم إليكم حاجة وأنا سأقدم إلى مكّة إلى معاندة ابن الزبير ولا احبّ أن تكونوا مجهودين.
قال : فعندها ودّع أصحابه وانصرفوا إلى الكوفة وفيها يومئذ مصعب بن الزبير.
ومضى ابن الحنفيّة بمن تخلّف معه من أهل بيته ومواليه حتى نزل بشعب أبي طالب بمكّة. وبلغ ذلك عبد الله بن الزبير فأرسل إليه أن ارتحل من هذا الشعب أنت وأصحابك هؤلاء الذين معك وإلاّ فهلمّ فبايع.
فقال ابن الحنفيّة لرسوله : ارجع إليه وقل له : إنّ الله تعالى قد جعل هذا البلد آمنا وأنت تخيفني فيه ولست بشاخص عن مكاني هذا أبدا إلاّ أن يأذن الله لي في ذلك فاصنع ما أنت صانع.
قال : وجرى بينهما اختلاف شديد ، وبلغ ذلك من كان بالكوفة من أصحابه الذين فارقوه ، فرجعوا بأجمعهم حتى نزلوا في الشعب وقالوا : والله لا نفارقك أبدا أو لنموتنّ بين يديك.
قال : وأمسك ابن الزبير عن ابن الحنفيّة وكفّ عنه إلى أن حجّ الناس ، فلمّا كان يوم النفر أرسل إليه بأخيه عروة بن الزبير وعبد الله بن مطيع العدوي في رجال من قريش ، فأقبل القوم حتى دخلوا الشعب إلى ابن الحنفيّة فقالوا : إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تتنحّى عن هذا الموضع الذي أنت نازل فيه فإنّه قد عزم انّك إن لم تفعل ولم تنتقل إلى موضع غيره أن يسير إليك حتى يناجزك ، فإن أردت الشخوص فهذا يوم النفر فقم فانفر مع الناس وامض إلى حيث شئت من البلاد.
قال : فسكت ابن الحنفيّة. وقام رجل من أصحابه يقال له معاذ بن هاني فقال له : أيّها المهديّ إنّ هذا البلد قد جعله الله عزّ وجلّ للناس سواء العاكف فيه والباد ، وليس أحد أحقّ به من أحد ، وهذا الرجل قد ألحد في هذا الحرم وسفك فيه الدم