وقد بعث إليك مرّة بعد اخرى يأمرك بالتنحّي عنه ، فإن هو أبى إلاّ إشخاصك عنه تركا لأمر الله وجرأة عليه فقد بدأك بالظلم وبما لم تكن يستحلّه منه ، وقد اضطرّك وإيّانا إلى ما لا صبر لك عليه فخلّ بيننا وبينه ، والله إنّي لأرجو أن آتيك به سالما أو يقتل هؤلاء أصحابه الفسّاق عبيد الجبّارين وأعداء الصالحين ، وإنّما هو أعراب باليمامة وجهّال أهل مكّة ، ولو قد قاتلهم قوم ينوون بقتالهم رضوان الله وثواب الآخرة لما ثبتوا للطعان والضراب ولا يذعروا أولاد الحجل.
قال : فغضب عبد الله بن مطيع من ذلك ، ثمّ أقبل على ابن الحنفيّة فقال له : يا أبا القاسم لا يغرّنك عن نفسك قبيلة جاءتك من أهل اليمن هذا وأشباهه وانّي أعلم نفسه خير منك وبعده فرماه الله بك إن كان شرّا منك في الدين والدنيا.
قال : ثمّ خرج ابن عبّاس من عند ابن الزبير مغضبا وأقبل حتى جلس في الحجر واجتمع إليه قوم من أهل بيته ومواليه فقالوا : ما شأنك يا ابن العبّاس؟ فقال :
ما شأني أيظنّ ابن الزبير أنّي مساعده على بني عبد المطّلب ، والله إنّ الموت معهم أحبّ إليّ من الحياة معه ، أما والله إن كان ابن الحنفيّة شخصا ضعيفا كما يقول لكانت أنملته عندي أحبّ إليّ من ابن الزبير وآل الزبير ، وانّه والله عندي لأوفر عقلا من ابن الزبير ، وأفضل منه دينا ، وأصدق منه حياء وورعا.
قال : فقال له رجل من جلسائه : يا ابن العبّاس إنّه قد ندم على ما كان من كلامه لك ، وهو الذي بعثنا اعتذارا.
فقال ابن عبّاس : ليكفّ عن أهل بيتي فقد قال القائل : غثّك خير من سمين غيرك ، أما والله لو فتح لي من بصري لكان لي ولابن الزبير ولبني اميّة يوم عظيم.
قال : وبلغ ابن الزبير انّ ابن عبّاس يقول فيه ما يقول ، فخرج من منزله في عدّة من أصحابه حتى وقف في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس إنّ فيكم رجلا أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ، يزري على عائشة أمّ المؤمنين ويعيب طلحة والزبير حواري رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويحلّ المتعة فاجتنبوه جنّبه الله السداد.