فقال له : لقد رأيت ما رأيت فما عندك في تأويلها؟
قال : ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ، ولكن أرسل الى عاملك بالحيرة يوجّه إليك رجلا من علمائهم فانّهم أصحاب علم بالحدثان.
فبعث إليه عبد المسيح بن نفيلة الغسّاني ، فلمّا قدم إليه أخبره كسرى بالخبر ، فقال له : أيّها الملك ليس عندي فيها ولا في تأويلها شيء ، ولكن جهّزني الى خال لي بالشام يقال له سطيح. فقال : جهّزوه.
فلمّا قدم على سطيح وجده قد احتضر ، فناداه فلم يجبه ، وكلّمه فلم يردّ عليه ، فقال عبد المسيح :
أصمّ لم يسمع غطريف (١) اليمن |
|
يا فاصل الخطّة أعيت من ومن (٢) |
أتاك شيخ الحيّ من آل سنن (٣) |
|
أبيض فضفاض من الرداء والبدن |
رسول قيل العجم يهوي للوثن |
|
لا يرهب الوعد ولا ريب الزمن (٤) |
فرفع إليه رأسه وقال : عبد المسيح على جمل مشيح ، جاء الى سطيح ، وقد اوفى على الضريح ، بعثك ملك ساسان لارتجاج الايوان ، وخمود النيران ، ورؤيا الموبدان ، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، حتّى اقتحمت الوادي ، وانتشرت في البلاد ، عبد المسيح إذا ظهرت التلاوة ، وغاض وادي السماوة ، وظهر صاحب الهراوة ، فليست الشام لسطيح بشام ، يملك منهم ملوك وملكات عدد سقوط الشرافات ، وكلّما هو آت آت. ثمّ قال عبد المسيح :
شمّر فانّك ماضي الهمّ شمّير |
|
لا يفزعنّك تفريق وتغيير |
ان يمس ملك بني ساسان أفرطهم |
|
فإنّ ذا الدهر أطوار دهارير |
__________________
(١) الغطريف ـ بالكسر ـ السيّد.
(٢) الفاصل : المبين والحاكم والخطّة ـ بضم الخاء وتشديد الطاء ـ الخطب والأمر والحال ، أي يا من يبيّن ويظهر امورا أعيت وأعجزت « من ومن » أي جماعة كثيرة.
(٣) السنن ـ محركة ـ الإبل تسنن في عدوها. وفي تاريخ اليعقوبي : آل يزن.
(٤) في كمال الدين : « كسرى للوسن » بدل « يهوى للوثن ». وهو الصحيح والقيل ـ بالفتح ـ : الملك ، والوسن : أي لشأن الرؤيا التي رآها الموبذان.