ابن جعفر عليهماالسلام بسوء ، فاشتريت سكّينا وقلت في نفسي : والله لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك وجلست فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليهالسلام قد طلعت عليّ فيها : بحقّي عليك إلاّ ما كففت عن الأخرس فإنّ الله تعالى يقضي ، وهو حسبي (١).
وحدّث أبو الفضل محمّد بن عبد الله الشيباني أنّ عليّ بن محمّد بن الزبير البلخي حدّثني ، قال : حدّثنا خشنام بن حاتم الأصم ، قال : حدّثني أبي ، قال : قال لي شقيق بن إبراهيم البلخي : خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة ، فنزلت القادسية (٢) ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في رتبتهم وكثرتهم إذ نظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة تعلوا فوق ثيابه بثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم ، والله لأمضينّ إليه ولاوبّخنّه فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا قال : يا شقيق ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (٣) ثمّ تركني ومضى.
فقلت في نفسي : إنّ هذا لأمر عظيم قد تكلّم على ما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح ، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحالّني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني.
فلمّا نزلنا واقصة (٤) إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه. فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا قال لي : يا شقيق اتل : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً
__________________
(١) المناقب : ج ٤ ص ٢٨٩ وفيه : فانّ الله ثقتي.
(٢) قرية قرب الكوفة ، من جهة البر ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا.
(٣) الحجرات : ١٢.
(٤) واقصة : بكسر القاف والصاد المهملة ، موضعان : منزل في طريق مكّة بعد القرعاء نحو مكّة ، وواقصة أيضا بأرض اليمامة.