وقال عليّ عليهالسلام : أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا وحسدا لنا أن رفعنا الله سبحانه ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ويجلى العمى لا بهم (١).
أبو الصباح الكناني وأبو نصر كلاهما عن الصادق عليهالسلام ، وروى الفضل بن يسار وبريد بن معاوية العجلي كلاهما عن الباقر عليهالسلام ، واللفظ للكناني : نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون في الدين قال الله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢).
والراسخ في اللغة هو اللازم الذي لا يزول عن حاله ، ولا يكون كذلك إلاّ من طبعه الله تعالى على العلم في ابتداء نشوئه كعيسى عليهالسلام في وقت ولادته قال : ( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ ) (٣) ( ... ) الآية (٤) فأمّا من بقي السنين الكثيرة لا يعلم ثمّ يطلب العلم فيناله من جهة غيره على قدر ما يجوز أن يناله منه فليس ذلك من الراسخين.
يقال : رسخت عروق الشجر في الأرض ، ولا يرسخ إلاّ صغيرا (٥).
والأئمّة الاثنا عشر عليهمالسلام ما نقل عن واحد منهم أنّه قعد عند معلّم ، ولا تردّد إلى فقيه ولا إلى محدّث فعلم الله تعالى أنّ المبطل يقول : كلّ واحد منهم تعلّم من أبيه فقبض الله تعالى الرضا عليهالسلام ولولده الجواد ثمان سنين ، وقبض الجواد ولولده الهادي ثمان سنين ، ومع هذا لم يقصرا عن علم آبائهما عليهمالسلام ، ولا تردّدا إلى معلّم ولا فقيه ولا أخذا عن أحد شيئا من العلم ، بل كان علمهم عليهمالسلام إفاضة من الله تعالى.
وكذلك علم أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ما يخلو من أن يكون إفاضة من الله تعالى بدعاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم له بذلك فسرى ذلك في ولده عليهمالسلام ، أو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١ ـ ٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٨٥.
(٣) في الأصل زيادة : « والحكمة » وهو من سهو القلم.
(٤) مريم : ٣٠.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٨٥.