فأنشأ يقول :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم |
هذا ابن خير عباد لله كلّهم |
|
هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم |
يكاد يمسكه عرفان راحته |
|
ركن الحطيم إذا [ ما جاء ] يستلم |
يغضي حياء ويغضي من مهابته |
|
فلا يكلم إلاّ حين يبتسم |
إذا رأته قريش قال قائلها |
|
الى مكارم هذا ينتهي الكرم |
__________________
ودفن في مقابر البصرة.
وأما القصيدة فمؤلفة من ٢٨ بيتا ذكرها عبد الوهاب المكي في طبقات الشافعية الكبرى ١ / ١٥٣.
وقال ابن شهرآشوب في المناقب ٤ / ١٦٩ : إنها مؤلفة من ٤١ بيتا وذكر تمام القصيدة. وكذا في حلية الابرار ٢ / ٥٠ ، وفي مجمع فنون الشعر ص ٧٠ ط حجر ١٣٣٥ : عدها ٤٠ بيتا.
المناسبة : لما حجّ هشام بن عبد الملك ، فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام ، فنصب له منبر ، وجلس عليه ، وأطاف به أهل الشام. فبينما هو كذلك ، اذ أقبل علي بن الحسين عليهالسلام وعليه ازار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف ، فاذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة. فقال له شامي : من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا أعرفه!! لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق : أنا أعرفه ( وكان حاضرا ). فقال الشامي : من هو ، يا أبا الفراس؟ فأنشأ القصيدة التي مطلعها :
يا سائلي أين حلّ الجود والكرم |
|
عندى بيان إذا طلاّبه قدموا |
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم |
الى آخر الأبيات.
فغضب هشام ومنع جائزته ، وقال : ألا قلت فينا مثلها ، فحبسه بعسفان ( بين مكة والمدينة ) فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم ، وقال : اعذرنا يا أبا فراس. فلو كان عندنا أكثر من هذه لوصلناك به ، فردها ، وقال : يا بن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئا ، فردها عليه. فقال له علي بن الحسين عليهالسلام : بحقي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها. فجعل فرزدق يهجو هشاما ، وهو في الحبس ، فكان مما جاء به قوله :
أيحبسني بين المدينة والتي |
|
إليها قلوب الناس يهوى منيبها |
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد |
|
وعينا له حولاء تبدو عيوبها |
فاخبر هشام بذلك فأطلقه. وفي رواية أبي بكر العلاف : أنه أخرجه الى البصرة.