وسمع ذلك من بقي معه ممن كان أجابه ، فافترقوا عنه ، فظفر به هشام بن عبد الملك ، فقتله ، وصلبه على كناسة الكوفة ، وأحرقه بالنار. فكان كما حذره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهالسلام ، وكما وصف له بالفرخ نهض عن عشه من قبل أن يستوي جناحاه ، فأخذه الصبيان يتلاعبون به.
__________________
خرج ولم يخرج جعفر بن محمد توهم قوم من الشيعة أن امتناع جعفر كان للمخالفة ، وإنما كان ضربا من التدبير.
وقالوا : ليس الامام من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى عليه ستره ، وإنما الامام من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فهذا سبب وقوع الخلاف بين الشيعة.
وأما جعفر وزيد فما كان خلاف بينهما. والدليل على صحة قولنا قول زيد بن علي عليهالسلام : من أراد الجهاد فاليّ ، ومن أراد العلم فالى ابن أخي جعفر بن محمد. فلو ادعى الامامة لنفسه لم ينف كمال العلم عن نفسه إذ الامام أعلم من الرعية. ومن المشهور قول جعفر عليهالسلام : رحم الله عمي زيدا لو ظفر لوفى إنما دعا الى الرضا من آل محمد صلىاللهعليهوآله وأنا الرضا.
أقول : فلو فرضنا صحة الروايتين التي نقلهما المؤلف في شأن زيد عليهالسلام ، وأغمضنا العين عن الاشكالات السابقة فإنها معارضة مع الروايات الصحيحة المستفيضة التي تدل على صحة سلوكه وعلو مقامه وعظيم قدره ، منها :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله للحسين عليهالسلام : يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب.
وعن أنس بن مالك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يقتل رجل من ولدي يقال له زيد : بموضع يعرف الكناسة يدعو الى الحق ويتبعه كل مؤمن.
وقال الكشي في رجاله في ترجمة الحميري : عن فضيل الرسان ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام بعد ما قتل زيد بن علي عليهالسلام فادخلت بيتا في جوف بيت ، وقال لي : يا فضيل قتل عمي زيد بن علي؟
قلت : نعم ، جعلت فداك.
فقال : رحمهالله أما أنه كان مؤمنا وكان عارفا وكان عالما وكان صدوقا. أما أنه لو ظفر لوفى ، أما أنه لو ملك لعرف كيف يصنعها.
قال الامام الصادق عليهالسلام : لا تقولوا خرج زيد ، فان زيدا كان عالما ( اصول الكافي ٨ / ٢٦٤ ).