مورد الوجوه الثلاثة المتقدمة دون الصورتين الأوليين كما أن هذه الصورة هي التي ندعي جريان استصحاب العدم الأزلي فيها ، على ما ذهب إليه صاحب الكفاية قدسسره ومثّل له بما إذا شكّ في قرشية المرأة وذكر أن المرأة حينما وجدت لا ندري أنّها هل اتصفت بالقرشية أم لم تتصف بها ولم تكن متصفة بها قبل وجودها قطعاً والأصل عدم اتصافها بتلك الصفة حين وجودها أيضاً (١).
وعلى هذا التقريب يقال في المقام : إن هذا القليل لم يكن متصفاً بالاتصال قبل خلقته ، ونشك في اتصافه به حين خلقته ووجوده فالأصل أنّه لم يتصف بالاتصال حين خلقته أيضاً ، فهو ماء قليل بالوجدان وغير متصل بالمادّة بالأصل ، فبضم الوجدان إلى الأصل يتم كلا جزئي الموضوع للحكم بالانفعال.
هذا ، وقد أورد عليه شيخنا الأُستاذ قدسسره (٢) بالمنع من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية وبنى منعه هذا على مقدّمات :
الاولى : أن تخصيص العام بالمتصل أو بالمنفصل يوجب تعنون العام بعنوان غير عنوان الخاص لا محالة ، فإذا كان العنوان المأخوذ في الخاص وجودياً كان العام مقيداً بعنوان عدمي ، وإذا كان عدميا كان العام مقيداً بعنوان وجودي ، وذلك لأنّ الحاكم الملتفت إلى أن موضوع حكمه كالعالم مثلاً له قسمان : العادل والفاسق ، والإهمال في الواقع أمر غير معقول فهو إما أن يرى عدم دخل شيء من الخصوصيتين في موضوع حكمه وإما لا ، وعلى الثاني إما أن يكون ما له دخل من الخصوصية في موضوع الحكم أمراً وجودياً أو عدميا ، وهذه أقسام ثلاثة لا رابع لها لدورانها بين النفي والإثبات فالحصر فيها عقلي. أمّا القسم الأول وهو ما إذا كان موضوع الحكم مطلقاً وغير مقيد بشيء من الخصوصية : الوجودية والعدمية ، فهو أمر لا يجتمع مع التخصيص ، لأنّه يرجع إلى الجمع بين النقيضين ، فإن الموجبة الكلية تناقضها السالبة الجزئية لا محالة ، فإذا ثبت التخصيص في وجوب إكرام العالم وأن العالم الفاسق لا يجب
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢٢٣.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٤٦٢.