وإلى ما ذكرنا أشار صاحب الكفاية (١) فيما ذكره من أن العام لا يتعنون بعد التخصيص بعنوان خاص ، بل هو بكل عنوان غير عنوان المخصص يشمله الحكم بمعنى أن العالم في مفروض المثال لا بدّ وأن لا يكون فاسقاً ، ولم يؤخذ فيه أي عنوان غير هذا العنوان ، وإن كان ذلك العنوان هو الاتصاف بالعدم على نحو مفاد ليس الناقصة ، فالخارج هو الذي اعتبر فيه الاتصاف بالفسق على وجه النعت دون الباقي تحت العموم.
والأمر في المقام كذلك حيث إن أدلّة انفعال الماء القليل قد خصصت بالقليل الذي له مادّة ، وهو يوجب تعنون الباقي بالماء القليل الذي لا يكون له مادّة لا القليل المتصف بعدم المادّة ، وعليه فلنا أن نستصحب عدم المادّة في ظرف الشكّ إذ لم تكن له مادّة قبل وجوده والآن كما كان ، وهو استصحاب العدم المحمولي ، لأنّه الذي يترتب عليه الأثر عند تركب الموضوع من المحل وعدم العرض ، ما دام لم تقم قرينة خارجية على اعتبار الاتصاف بالعدم ، هذا تمام كلامنا في هذه الصورة.
الرابعة : ما إذا كان القليل مسبوقاً بحالتين متضادتين أعني الاتصال بالمادّة في زمان وعدم الاتصال بها في زمان آخر ، واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر ، ولم يجر فيه شيء من استصحابي الاتصال وعدمه للتعارض أو لعدم المقتضي ، فهل هناك أصل آخر يحكم به على الماء بالطهارة؟.
قد يقال : إن مقتضى الاستصحاب في الماء طهارته ، لأنّه قبل أن يغسل به المتنجس كان طاهراً قطعاً ، فهو الآن كما كان وإن كنّا نشك في اتصاله بالمادّة وعدمه ، كما أن مقتضى الاستصحاب في المتنجس المغسول به نجاسة المغسول وعدم ارتفاع نجاسته بالغسل به ، ولا معارضة بين الاستصحابين كما ذكرناه غير مرّة لأنّا وإن علمنا بالملازمة الواقعية بين طهارة الماء وطهارة المتنجس المغسول به ، إلاّ أن التفكيك بينهما في مقام الظاهر بالأصل مما لا مانع عنه بوجه (٢) وهذا نظير ما ذكره السيد ( قدس
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢٢٣.
(٢) لا يخفى أن المراد بغسل المتنجس به إنما هو إلقاؤه على الماء لا إيراد الماء على المتنجس ، وإلاّ فلا إشكال في كفايته في طهارة الثوب بعد ما حكمنا بطهارة الماء.