خصوص الكثير فإن النقيع وأمثاله إنما يطلق على الماء الذي يبقى مدّة في الفلوات والقليل ليس له بقاء كذلك. وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بهذه الأخبار أنها مطلقة لعدم استفصالها بين القليل والكثير وترك الاستفصال دليل العموم.
والجواب عن ذلك : أنها وإن كانت مطلقة لما ذكر ، إلاّ أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بالأخبار المتقدمة التي ادعينا تواترها إجمالاً لدلالتها على انفعال القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر شيء من أوصافه ، وهذا كما دلّ على نجاسة ماء الإناء إذا أصابته قطرة من الدم (١) أو أصابته يده وهي قذرة (٢) أو شرب منه الكلب والخنزير (٣) ومن الظاهر أن ملاقاة هذه الأُمور للماء القليل لا يوجب تغيّره في شيء مع أنّه ينفعل بملاقاتها. وهذه الأخبار تكفي في تقييد إطلاق الروايات المتقدمة.
وممّا يدلّنا على هذا ما ورد في صحيحة صفوان بن مهران الجمال من سؤاله عليهالسلام عن مقدار الماء وحكمه بعدم الانفعال على تقدير بلوغ الماء نصف الساق والوجه في دلالتها أنّه لو لم يكن هناك فرق بين القليل والكثير لما كان وجه لسؤاله عليهالسلام عن مقدار الماء. « قال صفوان الجمال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها؟ قال : وكم قدر الماء؟ قال : إلى نصف الساق ، وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه » (٤). وقد دلت هذه الرواية على عدم انفعال الكر بورود السباع وولوغ الكلاب ونحوهما ، فإن الماء في الصحاري إذا بلغ نصف الساق يشتمل على أضعاف الكر غالباً ، إذ الصحاري مسطحة وليست مرتفعة الأطراف كالحياض الموجودة في البيوت فإذا بلغ فيها الماء نصف الساق فهو يزيد عن الكر بكثير.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٥٠ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.
(٢) الوسائل ١ : ١٥٣ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٧ ، وغيرها.
(٣) الوسائل ١ : ٢٢٥ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٢ ، ٣.
(٤) الوسائل ١ : ١٦٢ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.