لا يبالي بالنجاسة وربما يعتقد بكفاية مطلق إزالة العين في التطهير ، فإذا قلنا مع ذلك كلّه بانفعال الماء القليل وتنجس ما في تلك الأواني المثبتة بنجاسة يد أحد الواردين أو الأطفال والمجانين ، فلا محالة تسري النجاسة منها إلى جميع الأشياء الموجودة في البلدتين ، ومن البيّن أن دعوى العلم القطعي بنجاسة يد أحد الواردين والمتخلين من هؤلاء الجماعات قريبة لا سبيل إلى إنكارها ، وقد عرفت أن ذلك يستلزم العلم بنجاسة جميع المياه وغيرها مما يوجد في البلدتين.
لأنّه يقال : هذه الدعوى وإن كانت صحيحة كما ذكرت ، إلاّ أنها تتوقف على القول بانفعال القليل بكل من النجس والمتنجس ، إذ لو اقتصرنا في انفعاله بملاقاة الأعيان النجسة كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية قدسسره أو منعنا عن كون المتنجس منجّساً مطلقاً ولو مع الواسطة كما يأتي تفصيل ذلك في محلّه إن شاء الله ، لم يبق في البين إلاّ احتمال النجاسة وهو مورد لقاعدة الطهارة. نعم ، لو قلنا بانفعال القليل بكل من النجاسات والمتنجسات ، وقلنا أيضاً بتأثير المتنجس في التنجيس على الإطلاق مع الواسطة وبدونها لكانت الشبهة المذكورة وهي دعوى العلم الوجداني بنجاسة المياه القليلة بل جميع الأشياء في العالم ، مما لا مدفع له. وإنكار العلم الوجداني حينئذ مكابرة بيّنة ، بل ذكر المحقق الهمداني قدسسره أن من أنكر حصول العلم الوجداني له بنجاسة كل شيء ، وهو يلتزم بمنجسية المتنجسات ، فلا حق له في دعوى الاجتهاد والاستنباط فإنّه لا يقوى على استنتاج المطالب من المبادئ المحسوسة فضلاً عن أن يكون من أهل الاستدلال والاجتهاد (١). والأمر كما أفاده لما مرّ من أن النجاسة مسرية فإن العلم بنجاسة يد أحد الواردين على أماكن الاجتماع كالمقاهي والمطاعم والبلدتين المعظمتين أو شفتيه حاصل لكل أحد ، وهو يستلزم العلم بنجاسة كل شيء (٢) والجواب عن هذه الشبهة منحصر بما ذكرناه.
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٧٩ السطر ١٥.
(٢) وينقل عن بعض الأفاضل في النجف انّه كان يتيمّم بدلاً عن الوضوء دائماً قبل مدّ أنابيب الماء بدعوى العلم بنجاسة جميع المياه ، فإن السقائين كانوا يضعون القربة على الأرض