ومنها : أن الماء القليل لو كان ينفعل بالملاقاة لبيّن الشارع كيفية التحفظ عليه وأمر بحفظه عن ملاقاة النجاسات والمتنجسات ، كأيدي المجانين والصبيان المتقذّرة غالبا ولم يرد من الشارع رواية في ذلك. وأيضاً استلزم ذلك نجاسة جميع مياه البلدتين المعظّمتين مكة والمدينة لانحصار مائهما في القليل غالباً ، وتصل إليه أيدي الأطفال ونظائرها مما هو متنجس على الأغلب ، ومعه كيف يصنع أهل البلدتين. بل بذلك يصبح جعل أحكام الماء في حقهم من الطهارة وغيرها لغواً ظاهراً.
أمّا ما ذكره أولاً فالجواب عنه أن بيان كيفية التحفظ على الماء القليل غير لازم على الشارع بوجه ، فإن التحفظ عليه كالتحفظ على الأموال والذي يلزم على الشارع هو بيان حكم القليل ، وبعد ما صرّح بأعلى صوته على أن الماء القليل ينفعل بملاقاة النجس والمتنجس على ما نطقت به الأخبار المتقدمة في محلّها فعلى المكلف أن يجنّبه عن ملاقاة ما يوجب تنجسه من أيدي المجانين والأطفال وغيرهما ممن تغلب النجاسة في شفتيه أو يديه.
وأمّا ما ذكره ثانياً فيردّه أن الشارع قد حكم بطهارة كل ما يشك في نجاسته ، ومن الظاهر أنه لا علم وجداني لأحد بنجاسة مياه البلدتين ، وإنما يحتمل نجاستها كما يحتمل طهارتها ، فإن دعوى العلم بنجاسة الجميع جزافية محضة.
لا يقال : لا استبعاد في دعوى العلم الوجداني بنجاسة مياه البلدتين نظراً إلى أن النجاسة من الأُمور السارية كما نشاهده بالعيان عند ما نسي أحد نجاسة يده مثلاً فإنّه إلى أن يلتفت إليها قد نجّس أشياء كثيرة من ثيابه وبدنه وأوانيه وغيرها. هذا بضميمة ملاحظة الأماكن التي جرت عادتهم على جعل المياه القليلة عليها في البلدتين ، حيث إن المياه فيهما تجعل على ظروف وأوان مثبتة في بيت الخلاء ، وقد جعل عندها آنية اخرى يأخذ بها المتخلي من مياه الأواني المثبتة فيستنجي ويطهر بدنه ، وليست أواني المياه في البلدتين كالحباب المتعارفة عندنا مما يمكن تطهيره بالمطر أو الشمس أو بإلقاء كر عليه ، فإنّها كما بيّناه مثبتة في بيت الخلاء ، وهي مسقّفة لا تصيبها شمس ولا مطر ولا يلقى عليها كر. وملاحظة كثرة الواردين عليهما من حجاج وزوّار ، وهي على طوائف مختلفة من فرق السنّة والشيعة وفيهم أهل البوادي والقرى وغيرهم ممن