( قدسسره ) فيدور الأمر بين الاحتمالين الباقيين أعني ما احتمله الشيخ الطوسي قدسسره وما قوّاه شيخنا شيخ الشريعة ( طاب ثراه ) وحيث لا معيّن لأحدهما في البين فتصبح الرواية مجملة لا يمكن الاعتماد عليها.
بل يمكن أن يقال : إن ما احتمله شيخنا شيخ الشريعة قدسسره هو الأظهر من سابقه ، فإن إطلاق الإناء على الماء وإن كان صحيحاً بإحدى العلاقات المسوّغة للتجوّز كالحالية والمحلية ، إلاّ أنه بالنتيجة معنى مجازي للإناء لا مقتضي للمصير إليه بعد إمكان حمله على معناه الحقيقي ، فنحمله على ذلك المعنى وهو الظرف كما حمله عليه شيخنا المتقدم ، ويلزمه التفصيل بين صورتي العلم بالنجاسة كما في الإناء والجهل بها كما في الماء ، فهو شبهة موضوعية بدوية يحكم فيها بالطهارة كما هو واضح ، وهذا الاحتمال هو المتعيّن.
وأمّا ربما يقال من أن قاعدة الطهارة أو استصحابها كادت أن تكون من الأُمور البديهية ، ومثلها لا يخفى على مثل علي بن جعفر عليهالسلام فحمل الرواية على الشبهات الموضوعية بعيد ، ولا محيص من حملها على إرادة معنى آخر.
فهو مما لا يصغي إليه فإن قاعدة الطهارة أو استصحابها إنما صارت من الواضحات في زماننا لا في زمانهم ، حيث إنها مما ثبت بتلك الروايات لا بشيء آخر قبلها ، هذا.
على أن المورد قد احتف بما يوجب الظن بالإصابة ، ولعلّه الذي دعا علي بن جعفر إلى السؤال فإنّه إذا رعف وامتخط وأصاب الدم الإناء ، فهو يورث الظن باصابته للماء أيضاً ولمكان هذا الظن سأله عليهالسلام عن حكمه. وقد وقع نظير ذلك في بعض روايات الاستصحاب أيضاً حيث سأله زرارة عن أن الخفقة والخفقتين توجب الوضوء أو لا؟ وأنه إذا حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم ... فإن استصحاب الطهارة في الشبهات الموضوعية والحكمية مما لا يكاد يخفى على زرارة وأضرابه ولكنه إنما صار واضحاً بتلك الأخبار ، ولعلّ الذي دعاه للسؤال عن الشبهتين ملاحظة ما يثير الظن بالمنام في مورد السؤال أعني تحريك شيء في جنبه وهو لا يعلم ، فالإشكال مندفع بحذافيره والرواية إما مجملة وإما ظاهرة فيما قدّمناه ، فلا دلالة فيها على التفصيل المذكور بوجه ، ومقتضى الإطلاقات والعمومات الدالّة على انفعال القليل