والصحيح من هذه الأقوال هو قول القميين أعني ما بلغ مكسّرة سبعة وعشرين شبراً ، والدليل على ذلك صحيحة إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الماء الذي لا ينجسه شيء؟ قال : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته (١). والاستدلال بها يتوقف على تقديم أُمور :
الأوّل : أنّ المراد بالسعة فيها ليس هو الطول والعرض بل ما يسعه سطح ذلك الشيء على ما يتفاهم منه عرفاً.
الثاني : أنّ كل ذراع من أي شخص عادي شبران متعارفان على ما جرّبناه غير مرة ووجدناه بوجداننا ، وبهذا المعنى أيضاً أُطلق الذراع في الأخبار الواردة في المواقيت (٢). فما ادعاه المحقق الهمداني قدسسره من أن الذراع أكثر من شبرين (٣) مخالف لما نجده بوجداننا ، فإنّه يشهد على أن الذراع شبران ، ولعلّه قدسسره وجد ذلك من ذراع نفسه وادعى عليه الوجدان ، وعلى هذا فمعنى الرواية أن الكر عبارة عن أربعة أشبار عمقه وثلاثة أشبار سعته.
الثالث : أنّ ظاهر قوله عليهالسلام ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته هو أنّ مفروض كلامه عليهالسلام هو المدوّر ، حيث فرض أن سعته ذراع وشبر مطلقاً أي من جميع الجوانب والأطراف ، وكون السعة بمقدار معيّن من جميع النواحي والأطراف لا يتصوّر إلاّ في الدائرة ، لأنها التي تكون نسبة أحد أطرافها إلى الآخر بمقدار معيّن مطلقاً لا تزيد عنه ولا تنقص ، وهذا بخلاف سائر الإشكال من المربّع والمستطيل وغيرهما حتى في متساوي الأضلاع ، فإن نسبة أحد أطرافها إلى الآخر لا تكون بمقدار معيّن في جميعها ، إذ البعد المفروض بين زاويتين من المربع وأمثاله أزيد من البعد الكائن بين نفس الضلعين من أضلاعه ، وعلى الجملة أن ما تكون نسبة أحد جوانبه إلى
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٦٥ / أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ١.
(٢) وقد روى زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان ... » المرويّة في الوسائل ٤ : ١٤١ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣.
(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٣٠ السطر ١٩.