الآخر بمقدار معيّن في جميع أطرافه ليس إلاّ الدائرة. على أن مقتضى طبع الماء هو ذلك ، وإنما يتشكل بسائر الأشكال بقسر قاسر كوضعه في الأواني المختلفة إشكالها.
وبعبارة اخرى : أن ظاهر الرواية أن ما يحويه خط واحد ولا يختلف مقدار البعد بين طرفين من أطرافه أبداً لا بدّ أن يبلغ الماء في مثله ذراعين في عمقه وذراع وشبر سعته ، وهذا لا ينطبق على غير الدائرة فإن البيضي وإن كان بخط واحد أيضاً إلاّ أن البعد فيه يختلف باختلاف أطرافه والمربع والمستطيل وغيرهما مما يحويه أكثر من خط واحد ، وبهذا كلّه يتعيّن أن يكون مفروض كلامه عليهالسلام هو المدوّر لا غيره. فإذا عرفت هذه الأُمور وعرفت أن مفروض كلامه عليهالسلام هو المدوّر وقد فرضنا أنّ عمقه أربعة أشبار وسعته ثلاثة أشبار ، فلا بدّ في تحصيل مساحته من مراجعة ما هو الطريق المتعارف عند أوساط الناس في كشف مساحة الدائرة.
وقد جرت طريقتهم خلفاً عن سلف كما في البنائين وغيرهم على تحصيل مساحة الدائرة بضرب نصف القطر في نصف المحيط ، وقطر الدائرة في المقام ثلاثة أشبار فنصفه واحد ونصف ، وأمّا المحيط فقد ذكروا أن نسبة قطر الدائرة إلى محيطها مما لم يظهر على وجه دقيق ونسب إلى بعض الدراويش أنّه قال : يا من لا يعلم نسبة القطر إلى المحيط إلاّ هو. إلاّ أنهم على وجه التقريب والتسامح ذكروا أن نسبة القطر إلى المحيط نسبة السبعة إلى اثنين وعشرين. ثم إنهم لما رأوا صعوبة فهم هذا البيان على أوساط الناس فعبروا عنه ببيان آخر ، وقالوا إن المحيط ثلاثة أضعاف القطر. وهذا وإن كان ينقص عن نسبة السبعة إلى اثنين وعشرين بقليل إلاّ أن المسامحة بهذا المقدار لا بدّ منها كما نشير إليه عن قريب.
فعلى هذه القاعدة يبلغ محيط الدائرة في المقام تسعة أشبار ، لأن قطرها ثلاثة أشبار ، ونصف المحيط أربعة أشبار ونصف ، ونصف القطر شبر ونصف ، فيضرب أحدهما في الآخر فيكون الحاصل سبعة أشبار إلاّ ربع شبر ، وإذا ضرب الحاصل من ذلك في العمق وهو أربعة أشبار يبلغ الحاصل سبعة وعشرين شبراً بلا زيادة ولا نقصان إلاّ في مقدار يسير كما عرفت ، وهو مما لا محيص من المسامحة فيه ، لأن النسبة بين القطر والمحيط مما لم تظهر حقيقتها لمهرة الفن والهندسة فكيف يعرفها العوام غير