بأن يكون الماء كراً في حق أحد وغير كر في حق آخر لوضوح أنه من الأحكام العامة ، فلو كان كراً فهو كر في حق الجميع كما إذا لم يكن كراً فهو كذلك في حقّ الجميع. وهذا إنما يتحقق فيما إذا جعلنا المدار في سبعة وعشرين شبراً على أشبار أقصر الأشخاص المتعارفين بأن لا يعد عرفاً أقصر عن المعتاد ، فالمدار على أقل شبر من أشبار مستوي الخلقة وهو يتحقق في حق جميع الأشخاص مستوين الخلقة ، فإذا بلغ الماء سبعة وعشرين شبراً بأقل شبر من أشبار مستوى الخلقة فهو بالغ حدّ الكر أعني سبعة وعشرين في حق جميع المستوين خلقة كما أنه إذا لم يبلغ هذا المقدار بالأشبار المذكورة فهو غير كر في حق الجميع.
وهذا بخلاف ما لو جعلنا المدار على شبر كل شخص في حق نفسه فإنّه يختلف الكر حينئذٍ باختلاف الأشبار قصراً وطولاً فربما يكون الماء الواحد بالغاً سبعة وعشرين شبراً بشبر واحد ولا يبلغه بشبر غيره ، فيكون الماء الواحد كراً في حق أحد وغير كر في حق آخرين. وقد ذكرنا نظير ذلك في القدم والخطوة المعتبرين في المسافة المسوّغة للقصر حيث حدّدوا الفرسخ بالأميال والميل بالأقدام ، وقلنا في بحث صلاة المسافر إن المراد بهما أقصر قدم وخطوة من أشخاص مستوين الخلقة.
والسر في ذلك ما أشرنا إليه من أن الكر والقصر ليسا من الأحكام الشخصية ليختلفا باختلاف الأشخاص ، وإنما هما من الأحكام العامة غير المختصة بشخص دون شخص ، فلو جعلنا المدار على شبر كل شخص أو قدمه في حق نفسه للزم ما ذكرناه من كون الماء كراً في حق أحد وغير كر في حق آخر ، وكذا الحال في القدم.
نعم ، إنما يصح ذلك في الأحكام الشخصية كما إذا أمر المولى عبيده بالمشي عشرين قدماً أو بغسل وجوههم ، فإن اللاّزم على كل واحد منهم في المثال أن يمشي كذا مقداراً بإقدامه لا بإقدام غيره ، أو يغسل وجه نفسه وإن كان أقل سعة من وجه غيره ، وهذا من الوضوح بمكان.
وثانيهما : أن المياه مختلفة وزناً فإن الماء المقطّر أو النازل من السماء أخف وزناً من المياه الممتزجة بالمواد الأرضية من الجص والنشادر والزاج والملح والكبريت ونحوها لأنه يتثاقل بإضافة المواد الخارجية الأرضية بحيث لو قطرناه بالتبخير لخف عما كان