القليل المتعيّن عند الله غير معلومة عندنا من الابتداء ، فهو أي القليل مشكوك الملاقاة معها ، فيحكم بطهارته تعبداً كما يحكم بطهارة الكثير وجداناً. وأمّا إذا لاقت النجاسة أحد الماءين معيناً ، فالوجه في حكم السيد قدسسره بطهارته هو ما اعتمد عليه في الحكم بطهارة الماء المردد بين الكر والقليل فيما إذا لاقى نجساً ولم يعلم حالته السابقة ، وقد اعتمد فيها على قاعدة الطهارة أو استصحابها لعدم صحة التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية ، وإن منع عن ترتيب آثار الكرية عليه من كفاية الغسل فيه مرة أو من دون عصر أو إلقائه على النجس.
وأمّا الوجه فيما حكم به شيخنا الأُستاذ من النجاسة في هذه الصورة فهو ما أسسه هو قدسسره من أن الاستثناء إذا تعلق على عنوان وجودي وكان المستثنى منه حكماً إلزامياً أو ملزوماً له فهو بمثابة اعتبار إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخروج عن المستثنى منه عرفاً ، ففي المقام لا بدّ من إحراز الكرية في الحكم بعدم الانفعال ، لأن الاستثناء عن انفعال الماء بالملاقاة إنما تعلق بعنوان الكرية وهو عنوان وجودي ، وبما أنه غير محرز في مفروض المسألة فيحكم على الماء بالانفعال (١) وحكمهما ( قدس الله أسرارهما ) على مسلكهما في محلّه.
والصحيح أن يفصّل في المقام بالحكم بالنجاسة فيما إذا كان ملاقي النجاسة معيناً إلاّ مع سبق العلم بكريته ، والحكم بالطهارة فيما إذا لم يكن معيناً. وتفصيل ذلك : أن النجاسة إذا لاقت أحدهما المعين فلا يخلو إما أن يعلم كريته وكرية الماء الآخر غير الملاقي للنجاسة سابقاً ، وإما أن يعلم بقلتهما كذلك أي سابقاً ، وإما أن لا يعلم حالتهما السابقة وهذه صور ثلاث ، وهناك صور اخرى يظهر حكمها مما نبيّنه في حكم الصور المتقدمة إن شاء الله.
فان علمنا بكريتهما سابقاً فلا إشكال في استصحاب كرية الملاقي المعين للنجاسة ونتيجته الحكم بطهارته مع الملاقاة ، والعلم الإجمالي بعروض القلة على أحد الماءين لا يترتّب عليه سوى احتمال انقلاب المعين عن الكرية السابقة إلى القلة ، ومع الاحتمال
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٤٦٤.