يجرى استصحاب كريته ، ولا يعارضه استصحاب الكرية في الماء الآخر ، لأنه غير جار في نفسه لعدم ترتب أثر شرعي عليه ، فإنّه لم يلاق نجساً حتى يجري فيه استصحاب الكرية. فهذا العلم الإجمالي لا يزيد على احتمال تبدل المعين وانقلابه من الكرية السابقة إلى القلة احتمالاً بدوياً.
ودعوى : أن الأصل عدم تحقق الملاقاة في زمان كرية الماء. مندفعة : بما أسلفناه في المسألة المتقدمة من أنه لا أساس للأصالة المذكورة بوجه ، ولا أثر لها في الموضوعات المركبة بعد إحراز أحد جزئيها وجداناً كالملاقاة في المقام والجزء الآخر بالأصل لارتفاع الشك بذلك.
وأمّا إذا علمنا بقلة الماءين سابقاً فينعكس الحال ، ونستصحب قلة الملاقي المعيّن وأثره الحكم بنجاسته ، لأنه قليل لاقى نجساً ولا يجري استصحاب القلة في الماء الآخر حتى يعارض استصحاب القلة في الملاقي المعين ، لأنه لم يلاق نجساً حتى يستصحب قلته كما عرفت.
وأمّا إذا جهلنا حالتهما السابقة فقد عرفت أن السيد حكم بطهارة الملاقي في مثله بقاعدة الطهارة أو استصحابها ، وإن منع عن ترتيب آثار الكرية عليه ، ولكن الماء محكوم بالنجاسة في هذه الصورة على ما سلكناه من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، لأن اتصاف الملاقي بالكرية أمر مسبوق بالعدم ، وبما أنّا نشك فيه فالأصل عدمه ، فهو ماء لم يتصف بالكرية فيتنجس بملاقاة النجاسة لا محالة هذا ، بل لا مانع من استصحاب عدم كريته على وجه النعت لما قدمناه من أن المياه بأجمعها مسبوقة بالقلة لا محالة ، فإن أصلها المطر وهو إنما ينزل قطرات ثم يتشكل منها الكر وغيره فاذا شككنا في بقائه على حاله جرى استصحاب قلته وهو استصحاب نعتي.
فتلخص أن احتياط الماتن على مسلكه غير لزومي ، وأمّا على مسلكنا فالاحتياط بالاجتناب هو الأظهر ، هذا كلّه فيما إذا كان ملاقي النجاسة معيناً.
وأمّا إذا لاقت النجاسة أحدهما غير المعين فكلا الماءين محكوم بالطهارة ، وذلك لأن ما لاقته النجاسة واقعاً إن كان هو الكر فلا أثر لتلك الملاقاة ، لأن الكر عاصم