الماء ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم (١) وقد مرّ أن الإفساد بمعنى التنجيس على ما بيّناه في شرح قوله عليهالسلام « ماء البئر واسع لا يفسده شيء » في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، فالرواية دلت على أن البئر تنفعل بوقوع الجنب فيها ، لنجاسة بدنه.
الطائفة الثالثة : ما دلّ على لزوم التباعد بين البئر والبالوعة (٢) بخمسة أذرع أو بسبعة على اختلاف الأراضي من كونها سهلة أو جبلاً ، واختلاف البئر والبالوعة من حيث كون البئر أعلى من البالوعة أو العكس ، ولا وجه لهذا الاعتبار إلاّ انفعال البئر بالملاقاة ، إذ لو كانت معتصمة لم يفرق في ذلك بين تقارب البالوعة منها وتباعدها عنها. على أن في بعضها تصريحاً بالانفعال إذا كان البعد بينهما أقل من الحد المعتبر.
الطائفة الرابعة : ما دلّ بمفهومه على انفعال البئر إذا وقع فيها ما له نفس سائلة كصحيحة أبي بصير ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عما يقع في الآبار ، فقال : أمّا الفأرة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء إلى أن قال : وكل شيء وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب ، والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس » (٣). ومفهومها أن الشيء الواقع في البئر إذا كان له دم ففيه بأس. وهذه جملة ما استدل به على عدم اعتصام ماء البئر.
أمّا الطائفة الأُولى : فأُورد عليها تارة : بأن اختلاف الأخبار الواردة في النزح يشهد على أن النزح مستحب ، ومن هنا لم يهتموا عليهمالسلام بتقديره على وجه دقيق ، وقد حدّد في بعض الأخبار (٤) بمقدار معيّن في نجاسة ، وحدّد في بعض آخر بمقدار آخر في تلك النجاسة بعينها ، وبهذا تحمل الروايات المذكورة على الاستحباب هذا.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٧ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢٢.
(٢) الوسائل ١ : ١٩٧ / أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ١ ، ٢ ، ٣.
(٣) الوسائل ١ : ١٨٥ / أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ١١.
(٤) كما في رواية ابن أبي عمير عن كردويه وصحيحة حريز عن زرارة فإن الأُولى دلّت على وجوب نزح ثلاثين دلواً والثانية على وجوب نزح عشرين دلواً في نجاسة واحدة كالدم والخمر ، ونظيرهما غيرهما. المرويّتين في الوسائل ١ : ١٧٩ / أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٢ ، ٣.