ونظير المقام الأخبار الواردة من طرقنا في أن القيء ، والرعاف (١) ومسّ الذّكر والفرج والقبلة (٢) يوجب الوضوء كما هي كذلك عند العامّة (٣). فإنّها ظاهرة في الإرشاد إلى ناقضية الأُمور المذكورة للوضوء ، فاذا رفعنا اليد عن ظواهرها بالأخبار الدالّة على حصر النواقض في ست (٤) وليس منها تلك الأُمور ، وبنينا على أن الرعاف وأخواته لا تنقض الوضوء ، فلا يمكن حمل الأخبار المذكورة على استحباب الوضوء بعد الرعاف وأخواته ، فإنّه إنما يمكن فيما إذا كانت الأخبار ظاهرة في وجوب الوضوء بتلك الأُمور ، وإذا لم نتمكن من العمل بظاهرها لأجل معارضها فلنحملها على الاستحباب ، وأمّا بعد تسليم أنها ظاهرة في الإرشاد إلى الناقضية فلا يبقى في البين ما يدل على استحباب الوضوء إذا رفعنا اليد عنها بمعارضها ، وحيث إنه خلاف ظاهر الأخبار فلا يصار إليه إلاّ بدليل.
وتوهّم أن أخبار الطهارة معرض عنها عند أصحابنا الأقدمين ، يندفع بما قدمناه في
__________________
(١) كما في موثقة زرعة عن سماعة ، قال : « سألته عما ينقض الوضوء قال : الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلاّ شيئاً تصبر عليه ، والضحك في الصلاة والقيء. وموثقة أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الرعاف والقيء والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئاً ينقض الوضوء ». وصحيحة الحسن بن علي بن بنت إلياس قال : « سمعته يقول : رأيت أبي صلوات الله عليه وقد رعف بعد ما توضأ دماً سائلاً فتوضأ ». المرويات في الوسائل ١ : ٢٦٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ١١ ، ١٢ ، وفي المصدر نفسه ص ٢٦٧ ب ٧ ح ١٣.
(٢) كما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء ». وفي الموثق عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال « سئل عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره؟ قال : نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة ». المرويتين في الوسائل ١ : ٢٧٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٩ ، ١٠.
(٣) راجع المجلد ١ من الفقه على المذاهب الأربعة ص ٨١ ٨٥.
(٤) الوسائل ١ : ٢٤٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ، ٣ ، ٤.