المرجّحات ، وإنما هي تلغي الرواية الشاذة عن الاعتبار رأساً (١) وهي بهذا المعنى غير متحققة في المقام لأن الشهرة في أخبار النجاسة ليست بمثابة تلغي أخبار الطهارة عن الاعتبار ، لأنها أخبار آحاد لا تتجاوز ثلاث أو أربع روايات.
وأمّا الترجيح بموافقة الكتاب والسنة بدعوى : أن ما دلّ على نجاسة بول الطير موافق للسنة أعني المطلقات الدالّة على نجاسة البول مطلقاً.
ففيه أوّلاً : أن المطلقات منصرفة إلى بول الآدمي ، ومعه لا يبقى لها عموم حتى يوافقه ما دلّ على نجاسة بول الطير.
وثانياً : لو لم نبن على الانصراف فأيضاً لا تكون موافقة السنّة مرجحة في أمثال المقام ، لأن موافقة الكتاب والسنّة إنّما توجب الترجيح فيما إذا كان عمومهما لفظياً. وأمّا إذا كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة فلا أثر لموافقتهما ، لأن الإطلاق ليس من الكتاب والسنّة فالموافقة معه ليست موافقة لهما.
وأمّا الترجيح بالأصحية ، وأن الحسنة أصح سنداً من الموثقة فيدفعه : ما ذكرناه في بحث التعادل والترجيح من أن صفات الراوي لا تكون مرجحة في الرواية ، وإنما هي مرجحة في باب القضاء (٢). على أنّا لو قلنا بترجيح الصحيحة على الموثقة فلا نقول بتقديم الحسنة عليها بوجه.
وبعد هذا لم يبق في البين سوى دعوى أن الروايتين تتساقطان بالمعارضة ، ويرجع إلى العموم الفوق ، إلاّ أن هذه الدعوى أيضاً ساقطة لأن الرجوع إلى العموم الفوق في المقام بعد الغض عن دعوى الانصراف مبني على القول بعدم انقلاب النسبة بعروض المخصص عليه ، وإلاّ فهو أيضاً طرف للمعارضة كالحسنة ، وذلك للعلم بتخصيص المطلقات بما دلّ على طهارة بول ما يؤكل لحمه من البقر والغنم ونحوهما فيكون حالها بعد هذا المخصص المنفصل حال الحسنة وغيرها مما دلّ على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه. وقد عرفت أن النسبة بينها وبين الموثقة عموم من وجه ، وبعد
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤١٢.
(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٤١٤.