ومنها : ما ورد من أن ما يأخذه الحجام مع المشارطة سحت (١) وقد حملوه على الكراهة الشديدة لمعارضتها بما دلّ على الجواز (٢) بل وفي لسان العرب انّ السحت يستعمل في الحرام تارة ويستعمل في المكروه اخرى (٣) ، ومع ورود استعمال السحت بمعنى الكراهة في الأخبار ، وتصريح أهل اللغة بصحته لا محذور في حمله على الكراهة الشديدة في المقام.
هذا ثم لو سلمنا عدم إمكان الجمع العرفي بينهما فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات والترجيح مع الروايات الدالة على الجواز لأنها مخالفة للعامة ، كما أن ما دلّ على عدم جوازه موافق معهم لذهابهم قاطبة إلى بطلان بيع النجس (٤) ، وما نسبه العلاّمة قدسسره إلى أبي حنيفة من ذهابه إلى جواز بيع الغائط (٥) على خلاف الواقع ، لأن بطلان بيع النجاسات إجماعي بينهم. بل يمكن ترجيح المجوّزة من جهة موافقتها للكتاب لأنها موافقة لعمومات حل البيع والتجارة عن تراض ، ومع التنزل عن ذلك
__________________
(١) المستدرك ١٣ : ٧٤ / أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ١ عن الجعفريات عن علي عليهالسلام أنه قال : « من السحت كسب الحجام » وعن العياشي عن الصادق والكاظم عليهماالسلام انّهما قالا : « إن السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام ».
(٢) الوسائل ١٧ : ١٠٤ / أبواب ما يكتسب به ب ٩ ح ١ ، ٤ وغيرهما.
(٣) لسان العرب ٢ : ٤١.
(٤) ففي الوجيز للغزالي ج ١ ص ٨٠ لا يجوز بيع الأعيان النجسة. وفي تحفة المحتاج لابن حجر الشافعي ج ٢ ص ٨ يشترط في المبيع طهارة عينه فلا يجوز بيع سائر نجس العين كالخمر والميتة والخنزير ولا يجوز بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بالغسل كالخل واللبن والدهن في الأصح. وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج ٢ ص ١٣٦ الأصل في تحريم بيع النجاسات حديث جابر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. وفي المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٤ ص ٣٠٢ أنه لا يجوز بيع السرجين النجس وعليه مالك والشافعي وجوزه أبو حنيفة ، ولنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة. ونقل في حياة الحيوان للدميري ص ٢٢٠ ٢٢١ عن أبي حنيفة القول بجواز بيع السرجين ثم أورد عليه بأنه نجس العين فلم يجز بيعه كالعذرة فإنّهم وافقونا على بطلان بيعها ...
(٥) المنتهي ٢ : ١٠٠٨ السطر ٤١.