فيها على ما لم تقع عليه الذكاة شرعاً وهذا كله واضح.
وإنما الكلام في أن النجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام هل هي مترتبة على عنوان الميتة أو أن موضوعها هو ما لم يذك شرعاً؟ لأن الميتة وغير المذكى وإن كانا متلازمين واقعاً ولا ينفك أحدهما من الآخر من مقام الثبوت ، لأن الميتة والمذكى من الضدين لا ثالث لهما فان ما زهق روحه إما أن يستند موته إلى سبب شرعي فهو المذكى وإما أن يستند إلى سبب غير شرعي فهو الميتة ، إلاّ أن ما لم يذك عنوان عدمي والميتة عنوان وجودي وهما مختلفان في الاعتبار وفيما يترتب عليهما من الأحكام.
وتظهر الثمرة فيما إذا شككنا في لحم أو جلد أنه ميتة أو مذكى ، فإنّه على تقدير أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذك يحكم بنجاسته وحرمة أكله وغيرهما من الأحكام باستصحاب عدم تذكيته ، وهذا بخلاف ما إذا كانت مترتبة على عنوان الميتة لأنها عنوان وجودي لا يمكن إحرازه بالاستصحاب إذ لا حالة سابقة له.
وخالف في ذلك صاحب المدارك قدسسره فإنّه بنى على أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذك ، ومع هذا أنكر جريان استصحاب عدم التذكية لإثبات النجاسة وغيرها من الأحكام عند الشك في التذكية ، وذكر في وجه منعه أمرين :
أحدهما : أن الاستصحاب غير معتبر رأساً وعلى تقدير اعتباره فهو إنما يفيد الظن ولا تثبت النجاسة إلاّ بالعلم أو بالبينة لو سلم عموم أدلّتها ، فإنّه مورد الكلام عنده قدسسره.
وثانيهما : ما ورد في بعض الروايات من قوله عليهالسلام : « ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه » (١) وقوله عليهالسلام « وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه » (٢) لدلالته على أن النجاسة وسائر الأحكام المتقدمة إنما تترتب على ما علم أنه ميتة (٣).
ويدفعه : أن الاستصحاب وإن لم يكن معتبراً في الأحكام الكلية الإلهية على ما اخترناه في محله ، إلاّ أن أدلة اعتباره غير قاصرة الشمول للشبهات الموضوعية بوجه.
__________________
(١) وهما خبر علي بن أبي حمزة وصحيحة الحلبي المرويتان في الوسائل ٣ : ٤٩١ / أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٤ ، ٢.
(٢) وهما خبر علي بن أبي حمزة وصحيحة الحلبي المرويتان في الوسائل ٣ : ٤٩١ / أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٤ ، ٢.
(٣) المدارك ٢ : ٣٨٧.