وترد على هذا الاستدلال أُمور :
الأوّل : أن الإمام عليهالسلام إنما نفى البأس عن المس والقُبلة عند الموت أي في حالة النزع أعاذنا الله لديه لا بعد الموت ، ومن الظاهر أن الآدمي غير محكوم بالنجاسة حينئذٍ فالرواية خارجة عن محل الكلام ، وهو مس الميت قبل برده.
الثاني : أن الرواية إنما نفت البأس عن المس والقبلة بلحاظ ذاتهما ، وقد دلت على أنهما غير موجبين لشيء ، وهو لا ينافي اقتضاءهما للنجاسة بلحاظ رطوبة الميت.
الثالث : وهو الأولى في الجواب أن الصحيحة على تقدير تسليم دلالتها إنما تدل على عدم نجاسة الميت حينئذٍ بإطلاقها من حيث رطوبته وجفافه ، لعدم صراحتها في ذلك وقد قدمنا أن صحيحة الحلبي الواردة في لزوم غسل الثوب الذي أصاب الميت مختصة بصورة رطوبته ، وذلك إما للقرينة الداخلية والانصراف أو للقرينة الخارجية أعني رواية ابن بكير المتقدِّمة (١) وعليه فصحيحة الحلبي تقيد الصحيحة بما إذا كانت القبلة أو المس قبل البرد مع الجفاف دون ما إذا كانت مع الرطوبة ، فالصحيح أن نجاسة الميت غير مختصة بما بعد برده.
ثم إن هذا الحكم مطرد في جميع أفراد الآدميين إلاّ الأئمة عليهمالسلام للأدلة الدالة على طهارة أبدانهم مطلقاً. وأمّا الشهيد فلم يقم دليل على طهارة بدنه بعد موته ، وإطلاق ما دلّ على نجاسة الميت تقضي بنجاسته وذهب صاحب الجواهر قدسسره إلى طهارة الشهيد وعدم نجاسته بالموت (٢). وما ذهب إليه وإن كان يساعده الذوق إلاّ أن مقتضى القواعد الشرعية عدم الفرق بينه وبين غيره.
وعدم وجوب تغسيله ليدفن بدمائه وثيابه ويحشر يوم القيامة على الحالة التي دفن بها لا ينافي الحكم بنجاسة بدنه بالموت كالحكم بنجاسته بملاقاة الدم بناء على طهارة بدنه في نفسه ، أجل ، نلتزم بعدم نجاسة المرجوم أو المقتص منه بالموت ، لأنه مغسّل حقيقة فإن الشارع قدّم غسله على موته.
__________________
(١) في ص ٤٦٣.
(٢) الجواهر ٥ : ٣٠٧.