كان المتنجس أحد طرفيه خاصة واتصل طرفه الطاهر بالكر أو المطر دون الطرف المتنجس ، حيث يصح أن يقال عرفاً إنه مما أصابه الماء أو رآه المطر ، مع أنّه لا وجه لطهارة الطرف الآخر الذي لم يلاقه الماء أو المطر ، وهل يطهر المتنجس من دون أن يلاقي شيئاً من المطهرات؟ فدعوى أن الماء أو المطر إذا أصابا السطح العالي من المضاف يحكم بطهارة السطح السافل منه أمر لا وجه له ، وعليه فلا بدّ بملاحظة المناسبة بين الحكم وموضوعه من حمل الإصابة والرؤية في المرسلتين على معناهما التحقيقي دون العرفي المسامحي ، وأن إصابة كل موضع من الأجسام المتنجسة للماء أو رؤية المطر له إنّما توجب طهارة ذلك الموضع بخصوصه ، دون الموضع الذي لم يصبه الماء أو لم يره المطر ، هذا كلّه في المضاف.
وأمّا الماء المتنجس فهو وإن التزمنا بطهارته بمجرد الاتصال بالعاصم كراً كان أو مطراً ، ولا نعتبر في تطهيره ملاقاة العاصم بجميع أجزائه ، إلاّ أنّه إما من جهة الإجماع ولا إجماع في المضاف لاختصاصه بالماء ، وإما من جهة صحيحة ابن بزيع (١) الدالّة على طهارة ماء البئر بعد ذهاب تغيره معللاً بأن له مادة ، لأن العلّة متحققة في غير البئر أيضاً ، كما يأتي تفصيله في محلّه ، واختصاصها بالماء ظاهر.
وقد تبيّن أن ما ادعاه العلاّمة في المقام مما لم يقم عليه دليل ، فطريق تطهير المضاف منحصر بالتصعيد واستهلاكه في ماء معتصم.
ثم إن في المقام عنوانين : أحدهما : المضاف وثانيهما : التغير. وأحكام التغير وإن كانت تأتي في محلّها على وجه البسط إن شاء الله إلاّ أنّا نشير إلى بعضها في المقام على وجه الاختصار فنقول :
تارة : يمتزج المضاف النجس بالمطلق المعتصم ويستهلك فيه ، بمعنى أنّه ينعدم في المطلق بنفسه ووصفه من غير أن يؤثر فيه شيئاً بل هو باق على إطلاقه ، غير أنّه كان منّاً مثلاً قبل الامتزاج ، وقد زاد على وزنه بذلك فصار منّاً وزيادة ، ومثل هذا الماء لا إشكال في طهارته لا من جهة طهارة المضاف النجس بالامتزاج ، بل من جهة ارتفاع
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤١ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٢ وص ١ : ١٧٢ ب ١٤ ح ٦.