سواء أكان قليلاً أم كان كثيراً.
وقد يناقش في دلالتها بأن وجه الشبه فيها غير معلوم ، ولم يعلم أن الإمام عليهالسلام شبّه ماء الحمّام بالجاري في أيّ شيء فالرواية مجملة.
وهذه المناقشة لا ترجع إلى محصّل لأنّ تشبيه ماء الحمّام بالجاري موجود في غيرها من الأخبار أيضاً ، والمستفاد منها أن التشبيه إنّما هو من حيث الاعتصام ، وذلك دفعاً لما ربّما يتوهّم من أن ماء الحمّام قليل في حدِّ نفسه فينفعل بالملاقاة لا محالة ومعه كيف يتطهّر به بمجرّد اتصاله بمادته بالانبوب أو بغيره ، فإنّ للحمّامات المتعارفة مادّة جعلية بمقدار الكر بل بأضعافه وتتصل بما في الأحواض الصغيرة بالأنابيب أو بغيرها ، وفي مثلها قد يتوهّم الانفعال نظراً إلى أنّ المادّة الجعلية أجنبية ومنفصلة عمّا في الحياض ، ومجرّد الاتصال بالانبوب لا يكفي عند العرف في الاعتصام لاختلاف سطحي الماءين فتصدّى عليهالسلام لدفع ذلك بأن ماء الحمّام كالجاري بعينه ، فكما أنّه عاصم لاتصاله بمادته كذلك ماء الحمّام غاية الأمر أن المادّة في أحدهما أصلية وفي الآخر جعلية.
فالصحيح في الجواب أن يقال : إن نظرهم عليهمالسلام في تلك الروايات إلى دفع توهّم الانفعال بتنزيل ماء الحمّام منزلة الماء الجاري ، ومن الظاهر أن المياه الجارية في أراضي العرب والحجاز منحصرة بالجاري الكثير ، ولا يوجد فيها جار قليل وإن كان يوجد في أراضي العجم كثيراً ، فالتنظير والتشبيه بلحاظ أن الجاري الكثير كما أنّه معتصم لكثرته ، ويتقوّى بعضه ببعض لا بمادته فإنّها ليست بماء كما يأتي كذلك ماء الحمّام يتقوّى بعضه ببعض ، ولو لأجل مجرّد الاتصال بانبوب أو بغيره ، فوزان هذه الرواية وزان ما ورد من : « أنّ ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً » (١) بمعنى أنّه يمنع عن عروض النجاسة عليه لكثرته في نفسه لا لأجل مادته. فإذن لا نظر في الرواية إلى اعتصام الجاري بالمادّة مطلقاً قليلاً كان أم كثيراً وتشبيه
__________________
(١) كما في رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قلت أخبرني عن ماء الحمّام يغتسل منه الجنب ، والصبيّ ، واليهودي ، والنصراني ، والمجوسي؟ فقال : إنّ ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً » المروية في الوسائل ١ : ١٥٠ / أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.