ماء الحمّام به من هذه الجهة.
فإلى هنا لو كنّا نحن وهذه الأدلّة لحكمنا بانفعال الجاري القليل كما ذهب إليه العلاّمة واختاره الشهيد الثاني في بعض كتبه ، إلاّ أنّا لا نسلك مسلكهما ، لا لأجل تلك الأدلّة المزيّفة ، بل لأجل ما أراحنا وأراح العالم كلّه ، وهو صحيحة محمد بن إسماعيل ابن بزيع حيث دلت على عدم انفعال ماء البئر معلّلاً بأن له مادّة ، ولو لا تلك الصحيحة لما كان مناص من الالتزام بما ذهب إليه المشهور من انفعال ماء البئر ولو كان ألف كر.
والوجه في الاستدلال بها في المقام : أن من الظاهر الجلي أن إضافة الاعتصام إلى ماء وتعليله بأن له مادّة ، إنّما تصح فيما إذا كان قليلاً في نفسه ، فإنّه لو كان كثيراً فهو معتصم بنفسه لا محالة من غير حاجة إلى إسناد اعتصامه إلى شيء آخر وهو المادّة وبهذا دلّتنا الصحيحة على أن القليل إذا كان له مادّة فهو محكوم بالاعتصام ، فإذا فرضنا القليل متنجساً واتصل به المادّة فنحكم بطهارته وعصمته لا محالة. هذا إجمال الاستدلال بالصحيحة ، وإن شئت توضيحه فنقول إنّ الاستدلال بالصحيحة من جهتين :
إحداهما : أن الصحيحة دلت على أن ما له مادّة ترتفع النجاسة الطارئة عليه بالتغيّر فيما إذا زال عنه تغيره ، فماء البئر يرفع النجاسة العارضة عليه ، لقوله عليهالسلام : « فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادّة » بلا فرق في ذلك بين كثرته وقلته ، لإطلاقها. وإذا ثبت بالصحيحة أن ماء البئر يرفع النجاسة الطارئة عليه ، فيستفاد منها أنّه دافع للنجاسة أيضاً بالأولوية القطعية عرفاً ، من دون فرق في ذلك بين كثرته وقلته ، لأنّ ما يصلح للرفع فهو صالح للدفع أيضاً بالأولوية القطعية وبعد هذا كلّه نتعدى من مورد الصحيحة وهو ماء البئر إلى كل ما له مادّة كالجاري والعيون لعموم تعليلها.
وثانيتهما : أنّا قدّمنا أن ماء البئر إذا زال عن تغيّره ، يحكم بطهارته لاتصاله بالمادّة وعليه فلا يترتّب على الحكم بنجاسة ماء البئر عند ملاقاته النجس ثمرة ، فيصبح لغواً ظاهراً ، فإنّه أي أثر للحكم بنجاسة ماء البئر في آن واحد عقلي وما فائدة ذلك الحكم