ماء البئر ونحوه مما له مادّة قليلاً كان أم كثيراً فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي ماء البئر القليل ، والترجيح أيضاً مع الصحيحة لما بيّنا في محلّه من أن تقديم أحد العامين من وجه على الآخر إذا استلزم إلغاء ما اعتبر من العنوان في الآخر كان ذلك مرجحاً للآخر ويجعله كالنص فيتقدم على معارضه (١).
والمقام من هذا القبيل لأنّا إذا قدمنا الصحيحة على أدلّة انفعال الماء القليل فلا يلزم منه إلاّ تضييق دائرة أدلّة الانفعال ، وتقييدها بغير البئر ونحوه مما له مادّة وهو مما لا محذور فيه ، لأن التخصيص والتقييد أمران دارجان. وأمّا إذا عكسنا الأمر وقدّمنا أدلّة انفعال القليل على الصحيحة فهو يستلزم الحكم بنجاسة القليل حتى لو كان ماء بئر فينحصر طهارة البئر بما إذا كان كراً ، وهو معنى إلغاء عنوان ماء البئر عن الموضوعية ، فإن الكر هو الموجب للاعتصام كان في البئر أم في غيره فاعتصام البئر مستند إلى كونه كراً ، لا إلى أنّه ماء بئر ، فيصبح أخذ عنوان ماء البئر في الصحيحة لغواً ومما لا أثر له. وحيث إن حمل كلام الحكيم على اللغو غير ممكن ، فيكون هذا موجباً لصيرورة الصحيحة كالنص ، وبه تتقدّم على معارضاتها.
ونظير هذا في الأخبار كثير منها : ما ورد من أن كل شيء يطير فلا بأس بخرئه وبوله (٢) ، وهو عام يشمل الطير المأكول لحمه وما لا يؤكل لحمه كاللقلق والخفافيش ، بناء على أن لها نفساً سائلة ، وورد أيضاً أن البول والخرء من كل ما لا يؤكل لحمه محكومان بالنجاسة (٣) ، وهو أيضاً عام يشمل الطير غير المأكول لحمه
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٨٩.
(٢) كما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه » المروية في الوسائل ٣ : ٤١٢ / أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.
(٣) أمّا نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه فلصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه » وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢ ، ٣ وأمّا خرؤه فلأجل عدم الفرق بينه وبين بوله بحسب الارتكاز المتشرعي ، على أنّه يمكن استفادة ذلك من عدّة روايات أُخر تأتي في محلّها إن شاء الله تعالى كما يأتي ما يدل على نجاسة الخرء في بعض الموارد الخاصة كالكلب والإنسان فانتظره. راجع ص ٣٧٣.