بيّنا في محلِّه عدم اختصاص روايات الاستصحاب بمورد دون مورد ، وأنه قاعدة كبروية تجري مع الشك في البقاء بلا فرق في ذلك بين الطّهارة والحدث (١) هذا. على أنه يكفينا في الحكم بوجوب الوضوء في هذه المسألة أصالة الاشتغال لعدم علمه بالوضوء ، وهذا أيضاً من دون فرق بين الظن بالطّهارة وعدمه والظن بالحدث وعدمه كما عرفت. هذا كلّه في الصورة الثانية.
الصورة الثالثة :
وهي ما إذا علم بكل من الطّهارة والحدث إلاّ أنه شك في المتقدّم والمتأخّر منهما. وهي على قسمين ، لأنه قد يكون التأريخ مجهولاً في كل منهما ، وأُخرى يكون أحدهما معلوم التأريخ دون الآخر ، والكلام فعلاً فيما إذا جهل التأريخان معاً. والمشهور المعروف بين أصحابنا هو الحكم بوجوب الوضوء حينئذ وذلك لقاعدة الاشتغال لأنه عالم باشتغال ذمّته بالصلاة مع الوضوء ، ولا علم له بالطّهارة والوضوء على الفرض فلا بدّ من أن يتوضأ تحصيلاً لليقين بالفراغ. وقاعدة الاشتغال في المقام مما لم يقع فيها خلاف ، وذلك لأنه ليس من الاحتياط في الشبهات الحكمية الذي وقع فيه الخلاف بين الأُصوليين والمحدّثين ، وإنما هو شبهة موضوعية مع العلم بالاشتغال ولا كلام في وجوب الاحتياط حينئذ ، وهو الذي يعبر عنه بأن العلم بالاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.
ويؤيد القاعدة رواية الفقه الرضوي الواردة في مسألتنا هذه بعينها وأنه إذا توضأت وأحدثت ولم تدر أيهما أسبق فتوضأ (٢) لأنا وإن لا نعتمد على ذلك الكتاب إلاّ أنه لا بأس بكونه مؤيداً.
وأمّا الاستصحاب فهو غير جار في المقام أصلاً ، وذلك أما بناء على ما سلكه
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٨.
(٢) مستدرك الوسائل ١ : ٣٤٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١. وإليك نصّها : ... وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيّهما أسبق فتوضأ ... ، فقه الرضا : ٦٧.