عالم بطهارته حين توضئه ، وغاية الأمر لا يدري زمان حدوث تلك الطّهارة وأنها كانت من الأوّل كما إذا كان الحادث الأوّل هو الطّهارة ، أو حدثت بالفعل كما إذا كان الحادث الأوّل هو الحدث ، فيستصحب تلك الطّهارة وهو يعارض استصحاب حدثه فيتساقطان. كما أنه في الصورة الثانية عالم بحدثه حين ما أحدث وإن لم يعلم بزمانه وأنه كان من الابتداء كما لو كان المحقق أوّلاً هو الحدث ، أم تحقق هذا الزمان كما لو كان المحقق الأوّل هو الطّهارة ، فيستصحب ذلك الحدث. وعليه فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من وجوب الوضوء على وجه الإطلاق من جهة قاعدة الاشتغال المؤيدة برواية الفقه الرضوي (١). هذا كلّه في الصورة الاولى أعني ما إذا جهل تأريخهما.
وأولى من ذلك الصورة الثانية وهي ما إذا علم تأريخ الحدث وكان تأريخ الوضوء مجهولاً ، وذلك لأنا إن قلنا بما ذهب إليه الماتن قدسسره من عدم جريان الاستصحاب فيما جهل تأريخه فالاستصحاب جار في الحدث من غير معارض ، فيجب عليه الوضوء لا محالة. وإن لم نقل به وقلنا بجريانه في كل من المجهول والمعلوم تأريخه فاستصحاب كل منهما يجري ويسقط بالمعارضة فلا بدّ أيضاً من التمسّك بقاعدة الاشتغال كما في الصورة الأُولى ، ولعلّه ظاهر.
وأمّا الصورة الثالثة وهي ما إذا علم تأريخ الوضوء وجهل تأريخ الحدث فقد ذكر الماتن قدسسره أن الاستصحاب يجري في الوضوء حينئذ من غير معارض ولا يجري في مجهول التأريخ ، معللاً بعدم اتصال الشك باليقين حتى يحكم ببقائه ، ومعه لا بدّ من الحكم بطهارته وإن كان الأحوط الاستحبابي أن يتوضأ في هذه الصورة أيضاً.
ثمّ ذكر أن الأمر في الصورتين المتقدمتين وإن كان كذلك أيضاً أي لم يكن الشك متصلاً فيهما باليقين حتى يجري فيهما الاستصحاب إلاّ أن مقتضى قاعدة الاشتغال فيهما وجوب إحراز الطّهارة والشرط ، ولأجلها حكمنا بوجوب الوضوء فيهما. وأما
__________________
(١) التي تقدّمت في ص ٧٠.