أصحاب النّبيّ وطائفة من الأغنياء ، فصدر الآية ناظر إلى الفقراء من أصحابه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذيلها إلى الأغنياء في عصره ، حيث استدعوا من النّبيّ أن يطرد الفقراء من عنده حتّى يرغبوا في الإسلام ويجالسوا النّبيّ الأعظم ، فالفقراء هم الذين أرادوا وجه الله ورضوانه ، وداوموا على الدعاء والصلاة صباحاً ومساءً ، والأغنياء كانوا ـ عندئذ ـ هم الذين أغفل الله قلبهم عن ذكره واتّبعوا أهواءهم وكان أمرهم فرطاً ، أي : في تجاوز عن الحقّ وتضييع له. ثمّ إنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال بعد نزولها : الحمد لله الذي أمرني أن أصبر مع هؤلاء الرجال ، منعكم المحيا ومعكم الممات (١). وقال تعالى أيضاً بعد ذكر قولهم : ( لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ... أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ) ، (٢) ( تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ). (٣)
فيستفاد من حال الكفّار ـ عندئذ كما هو حالهم الآن ـ أنّ الدنيا وما عليها من الزّينة لها فضل وكرامة وأصالة في حياة الإنسان ، مع أنّها وجميع ما فيها وعليها ليست إلّا مقدّمة لغرض أصيل آخر وآلة ووسيلة لتحصيله ، فالغنى المذموم عبارة عن الأموال التي ينظر إليها بتلك النظرة الاستقلاليّة ، ولذلك قال تعالى : لو شاء ربّك لأعطاك فوق ما يقولون ، أو فوق ما يخطر ببالهم ، ونظيرتها الآية ٣٣ من الزخرف. وورد في النصوص :
أنّ الفقر مخزون عند الله (٤) ( والمراد : إختزان ثوابه إذا صبر عليه صاحبه صبراً جميلاً ).
____________________________
١) بحار الأنوار : ج ١٧ ، ص ٤١ وج ٢٢ ، ص ٤٤.
٢) الفرقان : ٧ ـ ٨.
٣) الفرقان : ١٠.
٤) بحار الأنوار : ج ٧٢ ، ص ٥٢.