وبعبارة أخرى : إنّ المرشد ينزّل نفسه منزلة عقل المسترشد ، ولمّا كان عقله (١) ـ إذا علم بمصلحة للمسترشد ـ يحرّكه نحو الفعل ، فيحرّكه المرشد حينئذ نحوه لذلك ، أي لعلمه بالمصلحة ، هذا بخلاف الحال في الوجوب والندب ، فإنّ الطالب فيهما إنّما يطلب الفعل من قبل نفسه لا غير ، وهذا هو الوجه في إمكان اجتماع الإرشاد مع البغض بوقوع الفعل في الخارج.
وبهذا ظهر دفع ما اختاره بعض المحقّقين من المتأخّرين من كون الإرشاد من مقولة الإخبار محتجّا : بأنّ الظاهر أنّ المقصود من الإرشاد هو بيان المصلحة المترتّبة من دون حصول اقتضاء هناك على سبيل الحقيقة ، فهو إبراز للمصلحة المترتّبة على الفعل بصورة الاقتضاء ، ثمّ استشهد باجتماعه مع البغض إلى وقوع الفعل في الخارج (٢).
وتوضيح الاندفاع : أنّك قد عرفت أنّ المقصود باللفظ ليس إلاّ الطلب لا غير ، وإن كان الغرض تعلّق ببيان المصلحة ، وهذا لا يستلزم استعمال الصيغة في الإخبار ، بل غاية الأمر أن يكون هذا الإطلاق من مقولة الكناية ـ مثلا ـ بأن يراد من اللفظ الطلب للانتقال من الطلب إلى المصلحة ، فلا منافاة إذن بين إرادة الطلب من الصيغة وبين أن يكون الغرض بيان المصلحة ، لإمكان حصوله تبعا على هذا النحو ، فلا يصلح جعل ثبوت الثاني دليلا على انتفاء الأوّل ، وعرفت ـ أيضا ـ أنّ حقيقة الطلب ليس إلاّ تحريك الشخص نحو الفعل بآليّة اللفظ ، وأنّ هذا لا يتوقّف حصوله على كون الصيغة صادرة من اقتضاء نفس الطالب ، بل
__________________
(١) لا يخفى أنّ أمر العقل أيضا إرشادي كأمر الشخص المرشد ، فالأولى أن يجعل المناط في الإرشاد كون الطلب مسبّبا عن شيء آخر غير الاقتضاء في نفس الطالب وشوقة إلى وقوع الفعل ، بخلاف الوجوب والندب ، فإنّهما من اقتضاء نفس الطالب ، وسيجيء لذلك مزيد توضيح ، فانتظر. لمحرّره عفا الله عنه.
(٢) هداية المسترشدين : ١٣٩ ـ سطر ٣٠ ـ ٣٣.