قد يكون مسبّبا عنه ، وقد يكون مسبّبا عن اقتضاء المصلحة عند العقل ، فينزّل الطالب نفسه مقامه ، فيطلب.
هذا ، وبهذا ظهر أنّ الإرشاد ليس من مقولة الإيقاعات ـ أيضا ـ فإنها عبارة عن الألفاظ الموجدة لأثر غير حاصل قبلها ، كالملكية والزوجية ونحوهما ، كما أنّ الطلب عبارة عن الحمل والتحريك بآليّة اللفظ ، وعرفت أنّه من الثاني لا الأوّل ، مع أنّه لم يحتمله أحد.
وكيف كان ، فلا ينبغي الإشكال في كون الإرشاد من مقولة الطلب وحمل الغير على الفعل ، إلاّ أنّ الفرق بينه وبين الطلب المتحقّق في الوجوب والندب أنّ الطلب هناك من قبل نفس الآمر ، بمعنى أنّه ينشئه من نفسه ومن اقتضائه وميله إلى وقوع الفعل ، إمّا لمصلحة عائدة إليه نفسه ، كما هو الغالب في الأوامر العرفية ، أو لمصلحة عائدة إلى المأمور ، لكنّه مائل إلى وصول المأمور بتلك المصلحة ، ويشتاق إلى إيجاد المأمور ـ الفعل الّذي يتضمّن تلك المصلحة ـ لذلك ، وذلك كما في كافّة الأوامر الشرعية.
وبالجملة : فالمناط في الوجوب والندب إنّما هو كون الطالب طالبا للفعل من قبل نفسه لأجل اقتضاء نفسه وشوقها إلى وقوع الفعل من المكلّف ، سواء كان منشأ الشوق والاقتضاء هو عود المصلحة إلى نفس الطالب ، أو حبّه واشتياقه إلى وصول المأمور بتلك المصلحة ، وهنا ليس كذلك ، بمعنى أنّه يطلب ويحمل الغير على الفعل ، لكن ذلك الحمل والتحريك ليس من قبل نفسه ، بأن يدخل نفسه في هذا الطلب ، بل هو إمّا من لسان المصلحة الكامنة في الفعل العائدة إلى المأمور ، أو من جهة تبان بينهما ، أي بين الآمر والمأمور ، بأن تبانيا على كون الطلب أمارة على أمر ، كأن قال الغير للآمر : إذا علمت بفاكهة حلوة من بين تلك الفواكه فمرني بأكلها ، أو إذا علمت بمجيء الّذي هو عدوّ لي فمرني بالاختفاء ، أو إذا علمت بمجيء حبيب لي فمرني بالاستقبال ، وأمثال ذلك ،