من أنّ الفرق بينهما : هو أنّ الطلب في الوجوب والندب لمصلحة أخروية وفي الإرشاد لمصلحة دنيوية ، إذ لا ريب أنّ أوامر الإطاعة كلّها إرشادية ، مع أنّها ليست إلاّ للمصالح الأخروية ، وكذا أوامر بعض المندوبات إنّما هي لمصلحة دنيوية كالأمر بغسل الجمعة لحكمة إزالة الرائحة الكريهة ، وكالأمر بالسواك لمنافع عديدة دنيوية ، مع أنّ الوجوب والندب لا ينحصران في الأوامر الشرعية ، بل يجريان في العرفية أيضا ، إذ لا ريب أنّ بعضها ـ أيضا ـ وجوبي ، وبعضها ندبي ، وبعضها إرشادي ، ولا ريب أنّ الوجوبية والندبية منها ليست إلاّ لمصالح دنيوية ، فبطل الفرق المذكور.
ويتلوه في البطلان ما ربما يتوهّم من أنّ الفرق أنّ الطلب في الوجوب والندب إنّما هو لمصلحة عائدة إلى الآمر ، وفي الإرشاد إنّما هو لمصلحة عائدة إلى المأمور فإنّ الحال في الإرشاد وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ الوجوب والندب لا يلزمهما أن يكون الطلب فيهما لما ذكر ، بل قد يكون لمصلحة راجعة إلى المأمور ، كما إذا كان الآمر يحبّ وصولها إلى المأمور ، فيأمره لذلك ، مع أنّه لو بنى على ذلك لزم كون أوامر الشارع بأسرها إرشادية ، كما لا يخفى ، وفساده أظهر من أن يذكر ، فافهم.
هذا كلّه في إثبات أنّ مفاد الأوامر الإرشادية هو الطلب لا غير.
وأما اتّحاده مع الوجوب والندب بحسب الحقيقة فأوضح من أن يذكر ، ضرورة أنّه ليس حقيقتهما إلاّ الطلب ، فإنّ كونهما من اقتضاء نفس الآمر أمر خارج ، لأنّه داع لهما ، وداعي الشيء خارج عن حقيقة ذلك الشيء ، فيكونان متّحدين مع الإرشاد بحسب الحقيقة ـ حيث إنّ حقيقته أيضا هو الطلب ـ وغايرين معه من حيث الدّواعي الخارجيّة.