في الأفراد الغالبة بأن تكون تلك الأفراد بحيث تملأ العيون بحيث كأنّها لا ترى من أفراد المطلق إلاّ إيّاها ، فلا تضايق حينئذ كونها منشأ للانصراف.
ثمّ إنّ هاتين على تسليم كلّيتهما لا يجري شيء منهما فيما نحن فيه ، لعدم ثبوت كون الوجوب غالب الإرادة أو الوجود ، بل يمكن دعواهما بالنسبة إلى الندب في الأوامر الشرعية.
ثمّ إنّه ـ دام ظلّه ـ عدّ من أسباب الانصراف أمرين آخرين :
أحدهما : شدّة الحاجة إلى بعض الأفراد ، فهي توجب انصراف المطلق إلى هذا البعض ولو لم يكن هناك غلبة إرادة أو وجود ـ بحيث لو فرض بدو الخلق وابتداء تكلّمهم ـ فهذه توجب هذا الانصراف جدّاً.
وثانيهما : كثرة الحاجة إلى بعض الأفراد ، فهي أيضا توجب انصرافه إلى هذا البعض من غير توقّف على غلبتي الإرادة والوجود بحيث توجبه في الفرض المذكور أيضا.
ثمّ إنّ هذين ـ أيضا ـ لا مساس لهما بما نحن فيه ، فإنّ الوجوب ليس شديد الحاجة أو كثيرها بالنسبة إلى الندب قطعا ، فافهم.
قال دام ظلّه : على تقدير كون ظهور الأمر عند الإطلاق في الوجوب من جهة الانصراف فغاية ما يمكن أن يوجّه به أن يقال : إنّ حقيقة الوجوب إنّما هي الطلب الخالص عن شوب الرجوع ، وحقيقة الندب إنّما هي الطلب المشوب بالرجوع والإذن في الترك ، إذ لا ريب أنّ الإذن فيه بعد الطلب رجوع عن الطلب حقيقة ، إذ ليس الطلب إلاّ البعث والحمل ، وهو ينافي الإذن ، إذ معه لم يبق الطلب بحاله وإنما الباقي هو مجرّد الميل إلى الفعل.
وتوضيح ذلك أنّك إذا أمرت عبدك ندبا فقد قصدت من الصيغة بعثه وحمله لا غير ، فلذا يكون الصيغة مستعملة في معناها الحقيقي ، لكن في قصدك