بتلك العبادة ـ لا يعقل بقاء ذلك الأمر الندبي لأدائه إلى التناقض لاستلزامه اجتماع حكمين متناقضين في موضوع واحد في آن واحد ، نظرا إلى أنّ الوضوء حقيقة واحدة على المختار ، وليس كالغسل ليكون بالنظر إلى كلّ واحدة من الغايات حقيقة على حدة ، حتى يمكن بقاء أمره الاستحبابي إذا أراد به غاية أخرى ، فلا يكون إذن أمر ندبي حتى يمكن إيقاعه بداعيه ليقع صحيحا من جهته ، فلم يبق جهة صحة لذلك الوضوء أصلا.
لكن التحقيق اندفاعه : بأنّ ارتفاع الأمر الندبي قد يكون بانتفاء المصلحة والجهة المقتضية له بالمرّة ، وقد يكون لمزاحمة الأمر الوجوبيّ له من حيث منافاة (١) فصله لفصله مع بقاء المصلحة والجهة المقتضية له على ما كانت عليه أوّلا ، كما هو الحال فيما نحن فيه ، ضرورة أنه لا منافاة بين المصلحة المقتضية للوجوب وبين المصلحة المقتضية للاستحباب (٢) ، بل الأولى مؤكّدة للثانية جدّاً ، ولا بين الثانية وبين الأمر الوجوبيّ قطعا.
وإنّما المنافاة بين نفس الأمرين من جهة تنافي فصلهما وعدم إمكان تحقّق الامتثال من جهة الاستحباب إنّما هو في الصورة الأولى ، وأمّا في الثانية فهو يحصل بالإتيان بالفعل لداعي المصلحة والجهة الاستحبابية ، بأن يفعله لأجل تحصيل تلك المصلحة ، فإنّه إذا كان ارتفاع الأمر من جهة مانع خارجي مع بقاء المصلحة المقتضية له لم يكن المحبوبية ساقطة عن ذلك الشيء ، بل هو في تلك
__________________
أشير إليه. لمحرّره عفا الله عنه.
(١) في الأصل : تنافي.
(٢) وذلك لأنّ المصلحة الاستحبابية إنّما هي بحيث تقتضي رجحان الفعل ، لكن ليست بمثابة تقتضي المنع من الترك ، فعدم المنع من الترك في المستحبّ لعدم المقتضي للمنع ، والمصلحة الوجوبية هي بمثابة تقتضي كلا الأمرين ، فتغاير المصلحتين بالنسبة إلى المنع من الترك من باب اقتضاء أحد الأمرين لشيء وعدم اقتضاء الآخر له ، ولا شبهة في عدم التنافي بينهما.