وثانيهما ـ أن يكون الغاية كون ذي الغاية لطفا في ذلك الشيء ، فيكون الغاية حقيقة كونه لطفا في ذلك الشيء ، لا نفس ذلك الشيء ، كما في التجنّب عن الفحشاء والمنكر بالنسبة إلى الصلاة ، فإنّ فعلها لطف في التجنّب عنهما.
والاستدلال يتمّ على تقدير كون العبادة غاية لما أمروا به على الوجه الأوّل ، وأما على الثاني بأن يكون الأمر بسائر الواجبات لأجل كونها ألطافا في العبادة ومقرّبة إليها ، فلا.
ولا ظهور للآية في الأوّل إن لم نقل بظهورها في الثاني ، نظرا إلى عطف ( يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ )(١) على ( لِيَعْبُدُوا ) ، إذ حينئذ يجب أن يكون إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أيضا غايتين لما أمروا به ، ولا ريب أنّه لا
يعقل كونهما غايتين لما أمروا به إلاّ على الوجه الثاني ، ضرورة أنّ فعل الصلاة والزكاة لا يحصلان بفعل غيرهما من الواجبات ، بل الممكن حصوله منها إنّما هو حالة التقرّب إليهما ، وقد ذكر جماعة أنّ بعض الواجبات الشرعية لطف في بعضها الآخر كما أنّ كلّها ألطاف في الواجبات العقلية ، فيكون المراد أنّ واجباتهم ـ توصّلية كانت أو تعبدية ـ ألطاف في العبادة ، لا أنّ كلّ ما أمروا به عبادة.
ومع الإغماض عن ذلك كلّه نقول : إنّ الاستدلال مبنيّ على أن يكون المراد بالعبادة في الآية هو فعل الجوارح بقصد الطاعة الّذي يتعلّق به التكليف الفرعي ، ومع تسليم ظهورها في هذا المعنى في نفسها ـ كما هو ليس ببعيد ، نظرا إلى أنّ معناه بالفارسية : ( بندگى كردن ، وفرمانبري ) ، وهذا من فعل الجوارح ـ يمنع من كون المراد منها ذلك في الآية ، بل الظاهر أنّ المراد بها اتخاذ الله تعالى ربّا ، وتوحيده في المعبودية ، ونفي الشريك عنه في مقابل عبادة الأوثان والأصنام ، حيث إنّ المشركين عبدوها وجعلوها شفعاء عند الله ، كما ينادي به قوله تعالى حكاية
__________________
(١) البيّنة : ٥.