سواء (١) ، وأمّا استحقاقه لعوض ونفع (٢) ، أيضا زائدا على ذلك فلا يستقلّ به عقولنا جدّاً ، وإن ذهب المتكلّمون إلى استحقاقه إيّاه أيضا ، حيث عرّفوا الثواب (٣) : بأنّه النّفع المستحقّ المقارن للتعظيم والإجلال ، كتعريفهم العقاب : بأنّه الضرر المستحقّ المقارن للاستخفاف والإهانة ، وادّعوا استقلال العقل باستحقاقهما على الإطاعة أو المعصية ، وأمّا بالنسبة إلى العقاب فهو مستقلّ باستحقاقه على مخالفة المولى الواجب عليه إطاعته بمعناه المصطلح عليه عند المتكلّمين ، بمعنى أنّه يستقلّ باستحقاقه ـ حينئذ ـ أن يعذّبه المولى زائدا على استحقاقه لحطّ منزلته عنده وتبعيده عن حضرته بحيث لو عذّبه المولى حينئذ مع إهانته إياه وحطّ منزلته لم يفعل قبيحا عند العقل وإن كان له العفو أيضا ، بل يستقلّ العقل بحسن العفو.
والحاصل : أنّ مسألة استحقاق الثواب والعقاب عقلية محضة لا سبيل للشرع فيها بوجه ، فإنّ استحقاقهما ليس أمرا قابلا لجعل جاعل ، بل من الأمور الواقعية الثابتة في نفس الأمر ، والعقل يكشف عنه كما في الحسن والقبح في المستقلاّت العقلية ، والّذي نجد من عقولنا إنّما هو هذا المقدار المذكور من استحقاقهما.
فإذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ في محلّ النزاع المتقدّم أقوالا :
أحدها : نفي استحقاق شيء منهما على فعل الواجب الغيري أو على تركه
__________________
(١) قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ) الجاثية : ٢١.
(٢) والسرّ في ذلك : أنّ العبودية والمولوية ليستا من مقولة الاستئجار حتّى يستحقّ العبد الأجرة على عمله أيضا ، لوجوب العمل على العبد وإطاعته لمولاه من غير استحقاق أجرة : لمحرّره عفا الله عنه.
(٣) فبقيد الاستحقاق خرج التفضّل ، وبمقارنة التعظيم خرج العوض. لمحرّره عفا الله عنه.