مشروعيته.
هذا ، وحاصل الدفع : أنّا لم نستكشف تعبّدية الطهارات من الأوامر الغيرية المتعلّقة بها ، بل من دليل آخر ـ وهو الإجماع المتقدّم ـ فلا إشكال في إلزام تعبّديتها.
وقد يذبّ عن ذلك : بالمنع من كون الطهارات الثلاث عبادات بالمعنى المتقدّم اللازم منه رجحان الشيء في نفسه ، بل هي عبادات بالمعنى الأعمّ (١) ، وهو ما اعتبر في صحّته ـ وترتّب الأمر المقصود منه عليه ـ إيقاعه بداعي الأمر ، فالطهارات الثلاث ليست بذواتها مقدّمات ، وإنّما هي مقدّمات إذا وقعت بداعي الأمر ، فغرض الإيصال إلى ذيها إنّما يحصل بإيقاعها على هذا الوجه لا غير.
ويتّجه عليه : أنّ نفي الرجحان النفسيّ والاستحباب الذاتي عنها مع اعتبار إيقاعها بداعي الأمر ، ـ والمفروض حينئذ انحصار الأمر المتعلّق بها في الواحد وهو الأمر الغيري المقدّمي ـ مستلزم للدور ، ضرورة أنّ الأمر بشيء إنّما هو بعد تمامية مصلحة ذلك الشيء في نفسه وكونه موضوعا لذلك الأمر مع قطع النّظر عن ذلك الأمر بمعنى عدم كون ذلك الأمر محقّقا لموضوعية ذلك الشيء لنفسه ، ومتمّا لمصلحته الداعية إليه ، فإذا فرض اعتبار الإتيان بداعي الأمر في موضوع أمر فتوجّه ذلك الأمر متوقّف على تحقّق موضوعية ذلك الموضوع قبله ومع قطع النّظر عنه ، فإذا فرض عدم توجّه أمر به قبل ذلك الأمر يتوقّف (٢) موضوعيته لذلك الأمر وتمامية مصلحته على ورود ذلك الأمر ، فيكون نفس ذلك الأمر موضوعا لنفسه ، فيتوقّف توجّهه على ذلك الشيء على توجّهه عليه ، فهذا دور ظاهر.
__________________
(١) فيقال : إنّ العبادة ما تعلّق غرض الشارع فيه بعدم وقوعه إلاّ له. لمحرّره [ عفا الله عنه ].
(٢) في الأصل : فيتوقّف.