ويمكن دفعه : بما حقّقنا في محلّه من دفع إشكال ذلك الدور في الأوامر النفسيّة التعبّدية المشروطة بإيقاعها بداعي الأمر من التزام تعدّد الأمر ، فيقال في المقام :
إن الأمر وإن كان منحصرا في الغيري إلاّ أنّه غير منحصر في واحد ، بل هنا أمران غيريّان مرتّبان : أحدهما متعلّق بذات الفعل ، وثانيهما بإيقاعه بداعي الأمر الأوّل ، فالأمر الأوّل محقّق لموضوع الثاني ، فلا دور.
لكنّه يشكل : بأن الأمر المقدّمي الناشئ عن الأمر بذي المقدّمة تعلّقه بالنسبة إلى كلّ واحدة من المقدّمات مطلقا ـ قريبة كانت أو بعيدة ـ في مرتبة واحدة ، بمعنى أنّه إنّما ينبعث من وجوب ذي المقدّمة دفعة واحدة بالنسبة إلى كلّ ما له دخل في وجود ذي المقدّمة أمر غيري ، فإذا فرض كون مقدّمة مركّبة من الأجزاء الخارجية أو الذهنية فالأمر الغيري المتعلّق بكلّ جزء منها في مرتبة الأمر الغيري المتعلّق بجزئها الآخر ، بحيث لا ترتّب بينهما في نفس الأمر أصلا ، فحينئذ ـ حين تعلّق الأمر المتعلّق بإيقاعها بداعي الأمر ـ لا موضوع له أصلا ، فيعود المحذور ، فتدبّر.
هذا كلّه في الذبّ عن الإشكال الأوّل.
وأمّا الثاني من الإشكالين ـ فبعد الفراغ عن ثبوت رجحان الطهارات الثلاث في أنفسها واستحبابها الذاتي يمكن (١) الذبّ عنه : بأنّه لا شبهة في أنّ مقدّميتها إنّما هي بعنوانها الراجح الّذي هو جهة استحبابها النفسيّ بمعنى أنّ الأمر الغيري المقدّمي إنّما تعلّق بها بهذا العنوان ، فالإتيان بها بداعي ذلك الأمر الغيري المتعلّق بها ملازم للقصد الإجمالي إلى ذلك العنوان (٢) وإن لم نكن نعرفه
__________________
(١) في الأصل : فيمكن ..
(٢) « على وجه التوصيف ». على ما جاء في هامش الأصل.