مقدّمته ، فإنّ امتناعه إنّما صار باختياره ، وهو لا ينافي الاختيار.
وفيه : أنّ هذه القضية ـ وهي أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ـ وإن كانت مسلّمة ، لكنّها لا دخل لها بالمقام وبمدّعى المجيب أصلا.
توضيحه : أنّ المتكلّمين اختلفوا (١) في أنّ أفعال العباد هل هي باختيارهم ، أو هم مضطرّون إليها فعلا وتركا؟.
ذهب الأشاعرة إلى الثاني محتجّين بأنّ الفعل ما لم يجب لم يوجد ، وما لم يمتنع لم ينعدم ولا يترك ، فإذا صار الفعل واجبا أو ممتنعا فليس شيء من إيجاده أو تركه باختيار العباد.
واحتجّوا على وجوب الفعل إذا وجد : بأنّ الشيء لا يمكن وجوده إلاّ بوجود علّته التامة ، ومعها لا يمكن تركه ، بل يجب وقوعه.
وعلى امتناعه عند تركه : بأنّ الشيء لا ينترك ولا ينعدم (٢) إلاّ مع انسداد جميع أبواب علّة الوجود عليه ، ومعه يمتنع وجوده.
وذهبت العدلية من الإمامية والمعتزلة إلى الأوّل ، وأجابوا عن دليل الأشاعرة : بأنّ ذلك الوجوب وذاك الامتناع إنّما هما باختيار العبد ، فإنّهما قد تسبّبا من المبادئ الاختيارية له ، وهو ـ أي الوجوب أو الامتناع بالاختيار ـ لا ينافي الاختيار ، بل يؤكّده.
والحاصل : أنّ الفعل بالذات اختياري للعباد ، وعروض الوجوب أو الامتناع باختياره لا يصيّره [ واجبا أو ] ممتنعا بالذات ، بل معه أيضا ممكن بالذات
__________________
(١) في مسألة الجبر والاختيار. لمحرّره عفا الله عنه.
(٢) مضى التنبيه منا في أوائل هذا الكتاب تسامح علمائنا ( رض ) في هذا البناء مع عدم صحّته في مثل هذه الموارد ، فراجع.