موجب له كذلك العصيان الحكمي موجب له ، وهو فعل ما يمتنع معه امتثال الواجب في وقته ، ونحن نسلّم بانتفاء (١) الأوّل ، ونقول بثبوت الثاني على التقديرين (٢) ، فإنّ امتناع امتثال الواجب بترك المقدّمة لازم قهري عقلي غير متوقّف على وجوب المقدّمة بالبديهة وبالحسّ ، فإذا تحقّق العصيان الحكمي على كلا التقديرين فاستحقاق العقاب على الواجب مطلقا ثابت وان لم يبق الطلب له (٣) بعد ترك المقدّمة ـ كما مرّ ـ لكن هذا الأمر باق لا يرتفع ، ولا يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه كذلك.
والحاصل : أنّ استحقاق العقاب إنّما هو للعصيان الحكمي للواجب الموجب لاستحقاق العقاب ببناء العقلاء كافّة ، ولا دخل لوجوب المقدّمة في ذلك أصلا ، وليس الامتناع على تقدير جوازها من الأمر قطعا ، لما عرفت من أنّ جوازها على القول به إنّما هو بالنظر إلى ذاتها ، وأمّا جواز تركها من حيث أداؤها إلى ترك الواجب فلا ، فإنّه عبارة أخرى عن جواز ترك الواجب ـ كما عرفت ـ فليس معنى عدم جواز تركها من هذه الحيثية الالتزام بوجوبها الغيري ـ كما مرّ تخيّله من بعض المحقّقين (٤) ـ بل معناه وجوب نفس الواجب الّذي هو ذو المقدّمة.
ولعلّ منشأ ذلك التخيّل ما رآه من بيان مرادهم من تعريف الواجب ـ بما يستحقّ تاركه الذمّ والعقاب بعد الإيراد عليهم بعدم شموله للواجب الغيري ـ بأنّ المقصود (٥) كون الواجب سببا لاستحقاق الذمّ والعقاب ولو لم يكن الذمّ
__________________
(١) في الأصل : نسلّم انتفاء ..
(٢) أي على تقديري وجوب المقدّمة وجوازها.
(٣) في الأصل : الطلب به ..
(٤) وهو المحقّق التقيّ (ره) في هدايته ، وقد مرّ آنفا.
(٥) وقولنا : ( بأنّ المقصود ). إلقاء تبصرة لتفسير قولنا : ( بيان مرادهم ) .. لمحرّره عفا الله عنه.