وأمّا بالنسبة إلى أزيد من ذلك المقدار فلا ريب أنّ الجاري إنّما هو استصحاب عدم الشغل ، لا استصحاب بقائه ، فافهم.
الرابع (١) : المرجع في تمييز مقدّمية شيء شرعا وعدمها إنّما هي الأدلّة الشرعيّة ، كما أنّ المرجع في تمييز مقدّميته عقلا أو عادة إنما هما لا غير ، ومن المعلوم عدم طروّ الشكّ في المقدّمية العقليّة والعاديّة وعدمها غالبا ، لإمكان تميّز ذلك بالحسّ كذلك.
نعم قد خفي مقدّمية بعض الأمور عقلا وعدم مقدّميته كذلك ، وهذا كما في مقدّمية ترك أحد الضدّين للآخر وعدمها ، فلا بأس بالتعرّض لتحقيق الحال فيه حسبما يسعنا المجال ، بل لا بدّ منه ، فإنّه إنّما [ هو ] مبنى الكلام في المسألة الآتية المهمّة ، المتفرّعة عليها فروع لا تحصى ، فنقول ـ بعون الله الملك المتعال وحسن توفيقه ـ :
إنّهم اختلفوا في أنّ ترك أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر ، أو لا.
المشهور أنّه مقدّمة مطلقا ، وذهب بعض الأعلام (٢) إلى ذلك فيما إذا كان الضدّ موجودا بالفعل في المحلّ ، وأمّا بدونه فلا ، والظاهر هو العدم مطلقا.
والّذي احتجّ به للمشهور أو يمكن أن يحتجّ به هو أن يقال : إنّما لو فرضنا اجتماع جميع أجزاء علّة أحد الضدّين في المحلّ عدا أنّه مشغول بالضّد الآخر نرى أنّه يمتنع عقلا وجود ذلك الضدّ المفروض اجتماع أجزاء علّته ، فيكشف ذلك عن عدم تماميّة علّته ، وإلاّ لامتنع التفكيك ، والمفروض أنّ جهة
__________________
(١) أي ( الأمر الرابع ) ، على ما في هامش المخطوطة.
(٢) وهو المحقق الخوانساري على ما حكي عنه. لمحرّره [ عفا الله عنه ].